دعاة الإنفصال موجودون في أي دولة ومملكة وإمارة بل في أقصى الجزر حول العالم والمنادون بالوحدة بتجاوز الاختلافات الحتمية بين البشر هم الأكثرية الغالبة وذلك لما يعلمون من الفوائد والمكاسب إذا أحسن استخدام تلك الاختلافات الظاهرة والباطنة بصورة شفافة وصادقة وأمينة، والسودان السابق أرض المليون ميل مربع الذي كان ملء السمع والبصر والفؤاد كان سيكون رائداً في القارة وأنموذجاً يحتذى في مجالات شتى أقلها سلة غذاء العالم تلك الأمنية التي أدخلت فينا حسرةً لعدم تحقيقها وأوصلت معظم أفراد الشعب لمعاناة يومية مضنية لتوفير لقمة العيش في بلد تشقه الأنهار وبه أراض قيل أنها من أخصب الأراضي بالإضافة إلى الثروات الطبيعية المعروفة والمدسوسة والمختومة بختم (سري للغاية) أعتقد كما يعتقد الكثيرون أن السودان لن يقف عند حد هذه السلة لو قيض الله له مجموعة حكم مخلصة مع هذا الغنى القبلي والعشائري والفكري والثقافي والأخلاقي الطبيعي والمميز، لعمري إنه كان سيتخطى ذلك بكثير لولا عهد الشؤم الإنقاذي الذي ابتلينا به مما أعادنا مئة سنة ضوئية للوراء بطيشه وعنجهيته وجبروته، لا زلنا نعاني وبحسرة مما حدث ولا زال يحدث لهذا الوطن سواءً في منافينا القسرية والاختيارية أو في الداخل ونتألم أكثر عندما نرى ونسمع من يطلب فصل منطقة ومن يطالب بالانفصال عما تبقى من هذا البلد مع أن لعنة الانفصال والتشظي لن تتوقف أبداً حتى على مستوى الأسرة الواحدة فالشر يعم وإذا اشتعلت النيران فلن يتوقف تأثيرها على مكان الاشتعال.
فعندما انفصل الجنوب كان المحرك الرئيس لذلك هو الممارسات العنصرية المتراكمة لسنوات طويلة وأجهها أكثر ذلك العهد البائد هذا بالإضافة للظلم الاجتماعي الذي تعرض له الجنوبيون والحرب الايدولوجية الشاملة التي ارتكبها نظام الإنقاذ في حقهم فكل هذه العوامل ساعدت ودفعت بتحقيق الانفصال وهاهم نفس الأشخاص ينتقلون للمربع التالي بممارسات وأساليب أخرى نحو الجزء الغربي من البلاد وتحديداً دارفور وهاهم يحاولون تغذية هذا الشعور في النفوس ويحشرون الناس في ركن شديد حتى ينفصل الاقليم وبعدها يستعدون مشمرين عن شرورهم ومكشرين بأمراضهم صوب جبال النوبة والنيل الأزرق وسيمارسون نفس الألاعيب المسمومة وينبشون الفتن النائمة والصاحية وإن تم لهم ما أرادوا سينفصل الشرق بصورة تلقائية هذا إذا لم يسبق جبال النوبة والنيل الأزرق في الانفصال وماذا بعد؟.
عندها ستتحور عدوى الانفصال إلى أشكال أخرى أكثر وحشية بين بني القبيلة الواحدة وتظهر تعقيدات أخرى عميقة لم يُحسب لها اي حساب فمن انفصال ديني عقائدي إلى آخر قبلي وأسري وعائلي وجندري ولغوي ويمتد الأمر إلى اللهجات والمدن والقرى والشوارع والمخططات السكنية وعلى المستوى الإجتماعي والثقافي، انفصال في كل شيء حتى يفنى الجميع ويصير أثراً بعد عين وللأسف الشديد هذا هو السيناريو الذي يدفع به دعاة الفرقة والتشرذم والانانية والكراهية، وإذا سار الأمر بنفس هذه الوتيرة المتسارعة ستصبح المسألة مسألة وقت فقط حتى يكتمل هذا الشؤم الذي بدأ سنة 2011م حيث لا ينفع الندم.
العبرة …
بعد عشرة سنوات لا الجنوب المفصول نجح ولا السودان الباقي نجح!.
عبدالماجد موسى/ لندن