والقطيع معروف..
وهو مثل الذي تُرجع شحناته لنا من السعودية لأكثر من خمسين مرة..
شحنة… وراء شحنة… من بعد شحنة..
ولأكثر من خمسين مرة – أيضاً – من يتسببون في الإرجاع هذا لا يفهمون..
تماماً كما لا تفهم الحيوانات لم شُحنت؟… ولم أُرجعت؟..
وعدم الفهم هذا هو موضوع كلمتنا اليوم..
فالقطيع – بالمعنى الفلسفي – يختلف من حيث التشبيه عن المعنى المعروف..
سواء المعنى الحقيقي وهو قطيعٌ من الماشية..
أو المعنى المجازي وهو وصف مجموعة من الناس بأنهم قطيعٌ من البقر مثلاً..
أما فلسفياً فالقطيع هم المنقادون بلا فكر..
هم الذين ينساقون خلف زعيم… أو فكرة… أو جماعة؛ وكأنهم مغيبون عقلياً..
أو كأنهم تنازلوا عن عقولهم هذه – حباً وكرامة – لمن يسوقونهم..
وأكثر فيلسوف استخدم مفردة قطيع هذه هو نيتشة..
وكان يقصد بها جماعة من الناس ألغت عقولها لصالح فرد… أو حزب… أو فكرة..
وقد تكبر هذه الجماعة لتصير غالبية شعبٍ ما..
كالشعب الألماني – على سبيل المثال – الذي تنازل أفراده عن عقولهم لهتلر..
فآمنوا بالذي يؤمن به كله؛ بلا تفكير..
آمنوا بالنازية… وتفوقهم العرقي… وقدسية خوضهم حرباً ضد شعوب الدنيا أجمعين..
فأضحوا بشراً بلا رؤوس فوق أكتافهم..
أو بلا عقول داخل هذه الرؤوس التي ما من مهامٍ لها سوى وضع الخوذات عليها..
وكل فرد في القطيع – أي قطيع – لرأسه مهامٌ مشابهة..
إما لرميه على الوسادة… أو الذهاب به إلى الحلاق… أو اختيار غطاء جميل له..
عمامةً كان الغطاء هذا… أم وشاحاً… أم طاقية… أم كسكيتة..
ثم لا شيء أكثر من ذلك؛ فما بداخله تم إهداؤه لفرد – أو فكرة – عن طيب خاطر..
هي رؤوسٌ لا فرق بينها وبين رؤوس قطيع الماشية..
لا تعلم ما يُصنع بها… ولا إلى أين تُقاد… ولا ما يُضمره لها من امتلكها..
سيما ماشيتنا التي يتم إرجاعها دوماً..
فهي رؤوس قطيع لا تدري لماذا (يُقطع) بها البحر – ذهاباً وإياباً – طوال العام
وفرد القطيع البشري يمكن أن يخوض حرباً..
أي حربٍ؛ ثم لا مانع عنده من أن يموت دون أن يدري من أجل أي شيءٍ مات..
أو أي حرب؛ دون حروب الميدان العسكرية..
ومنها الحروب الأسفيرية؛ فهو يخوض معارك شرسة ضد من يظنهم أعداءه..
أو أعداء سيده الذي يُوحي له بذلك..
وقبل أعوام صادفت زميل دراسة كان قد أهدى رأسه لفكرة (مايو)؛ أو كما ظن..
أو أهدى ما يحويه الرأس هذا من مخ..
ولم يعد للرأس من فائدة سوى أن ترصد العين التي بقيت فيه أعداء (الثورة)..
فقد آمن بالفكرة لدرجة أن غدا عنصراً أمنياً..
وعند نجاح انتفاضة أبريل رمت به الأقدار إلى حيث كنت أعمل آنذاك..
أو ربما ليست هي الأقدار..
وإنما بعض ما عاد إليه من عقله السليب؛ بعد طول غياب عن رأسه..
وكان رأس مسدسه يتدلى من أسفل قميصه الأمني..
فساعدته بدافعٍ من (حق) الزمالة؛ ثم لم ألتق به ثانية إلا قبل فترة..
وطفقنا نسترجع الأيام الخوالي..
أيام الدراسة؛ وأيام الفكرة المايوية القائمة على أُحادية شمولية قابضة..
ورأسها – الفكرة هذه – هو القائد الملهم..
القائد الذي يفكر نيابة عن قطيعه بعد أن باتت عقولهم هذه في جيبه..
أو تحت مقعده الرئاسي..
فقال بنص عبارة شعبية – وهو يضحك – (والله ما كنت عارف راسي وين)..
فقلت مداعباً: المهم هو عودة الرأس… عودة الوعي..
وكل رأس قطيع قد تكون له عودة… أو عودةٌ لمخه إليه… ولو بعد حين..
ولكن حتى ذلكم الحين فهو محض رأس..
مثله مثل رؤوس قطعاننا التي تجهل سبب كونها (رايحة جاية) على ظهور السفن..
وقطيعة تقطع كل من يقطع عقله عن رأسه..
وينضم طائعاً مختاراً إلى رؤوس تظل (رايحة جاية) – أسفيرياً – بلا معنى..
إلى القطيع !!.