صلاح الدين عووضة يكتب.. بندقـــية !!
صادفني منزعجاً..
قال إن صغيره لا يميل إلى ما يميل له الأطفال في عمره؛ بل هو إلى البنات أقرب..
فهو يعشق ألعابهن… ويكره ألعاب الصبيان..
وعلى رأس قائمة هذا الذي يمقته بشدة – إلى درجة الفوبيا – لُعبات السلاح بأنواعها كافة..
وحكى كيف إنه اشترى له بندقية؛ واجتهد في أن يجعله يحبها..
وبعد يومين رآها عند أحد أطفال الجيران يلهو بها؛ ويخيف بها أقرانه… بمن فيهم ابنه..
فقد أهداها له ولده هذا كيما يرتاح من ضغط والده عليه..
فضحكتُ حتى تمنّيت أنْ لو كان بمقدوري أن أقول: حتى بانت نواجذي… لدواعٍ جمالية..
وأعني جمالية لغوية؛ ولكن قبح الواقع حال دون ذلك..
فلا أحد يضحك إلى حدِّ أن تبدو نواجذه – في أيامنا هذه – إلا أن يكون وزيراً… أو سيادياً..
أو – على الأقل – موظفاً مع أردول… أو مقرباً من مناوي..
وبعد فراغي من ضحكٍ مؤلم لعضلات الفم – وأعصابه – قلت له: موضوع بسيط جداً..
وشرحت له بساطته من واقع تجربةٍ شخصية..
فقد كنت في مثل عمر ولده هذا بمنطقة نوري – الباجور- حيث كان يعمل الوالد آنذاك..
وحين أخرجُ للعب بجوار الترعة أشاهد الكراكة..
فيتملكني رعبٌ لا أدري معه كيف أمكنني الرجوع للبيت بسرعة صاروخ صيني تائه..
أما ما الذي يرعبني؟… فهو شيء مثل الذي يرعب ابن محدثي..
فأنا لم أكن أنظر لذاك الذي يرعبني كجراف؛ بل كوحشٍ حي له عنق طويل وعينان مخيفتان..
وعنق الكراكة – الحديدي – معروف..
والعينان هما بكرتا الجنازير – على جانبي الرأس – التي تمسك بمغرفةٍ تتدلى في الترعة..
ورأس الجرافة يشبه رأس حشرة اليعسوب..
وعندما يتحرّك الوحش على جانب الترعة لنظافتها من الطمي أحسبها تهرول نحوي شخصياً..
وعجز أهل البيت عن نزع فوبيا الكراكة من دواخلي..
فقد كنت أصر على أنها كائنٌ ذو روح يستهدفني لسبب كامنٍ في رأسه اليعسوبي الصغير..
وفي مصادفةٍ عجيبة اكتشفت أن مخاوفي تلك تم تجسيدها سينمائياً..
فقد شاهد – وأنا كبير – فيلماً أبطاله مجموعة من الكراكات تتقمصها أرواحٌ تحركها..
وليست حركة عشوائية…. وإنما استهدافية..
فقد كانت تنطلق كلها – جماعياً – لتهاجم أناساً فور أن يصيروا في دائرة استشعارها..
وعينا كلّ من هذه الوحوش هما فانوساها… حين يُضيئان..
وأشعرني الفيلم – أقول لمحدثي – براحةٍ نفسية إذ أدركت أنني كنت أتمتع بخيالٍ فنان..
فضحك والد الطفل دون أن تبدو نواجذه أيضاً..
وبدا لي أن تجربتي هذه أزالت كثيراً مما في نفسه من مخاوف…. جراء خوف ولده..
ورغم ذلك سألني: وماذا إن كبر معه خوفه هذا؟..
قلت له: لا خوف كذلك؛ بل ستكون هنالك جوانب إيجابية مع رهابه هذا حيال البندقية..
مثل الجانب الإيجابي الذي أفرزه خوفي من الكراكة..
وهو أنني لعلى ثقة بأن حياتي لن تكون نهايتها على يد – أقصد على عنق – جرافةٍ أبداً..
رغم إنه ما من جرافات نظافة أصلاً في عهد والينا الحالي..
ولكن بافتراض ظهورها فإنني سأتحاشى طريقها كما كان الشيطان يتحاشى طريق عمر..
طيب وما الجانب الإيجابي في خوف ابني من البندقية؟… سألني..
الجانب الإيجابي – قلت له – إن ابنك لن يجترح جريمة إزهاق روح بريئة ما دام حياً..
سواءً روح معتصم… أو روح متظاهر..
فواحدة من آفات زماننا هذا بشرٌ تتقمصهم أرواح مثل تلك التي تقمصت كراكات الفيلم..
وبيد كلٍّ منهم وحشٌ يسفك به الدماء؛ ولا يبالي..
بندقيـــــــة !!.