أو فتاة أحلامه..
فتارة يناديها يا حلوة… وتارة ثانية يا جميلة… وتارة ثالثة يا ست الكل..
وتتجه أبصارنا إلى حيث يتجه هو؛ ببصره… وباله… وكلياته..
فلا نرى حلوة… ولا جميلة… ولا ست كل..
ببساطة لأنه لم تكن هنالك فتاةٌ أصلاً تجلس أقصى يمين الصف الأول من قاعة الدرس..
بل وكان هذا المكان تحديداً – بجوار الحائط – شاغراً دوماً..
ودرسه – المخصص لنا – كان عن الأدب الإنجليزي..
ولم نكن نضحك احتراماً لأدبه هو – الشخصي – ومكانته… وشاعريته… ونبوغه..
ثم لسبب آخر… فربما كان يبصر ما لا نبصر نحن..
أياً كان ذاك الذي يبصره… أو بالأحرى: تلك التي بصرها..
فقد تكون من (بنات) خياله… أو (بنات) الذين يروننا من حيث لا نراهم..
ما كنا نضحك – كما ذكرت – ولكننا نتساءل دوماً : ماذا يكون هذا الذي يراه ولا نراه؟..
وربما هو يكون الذي جسده شعراً (ماذا يكون حبيبتي؟)..
إنه حسن عباس صبحي؛ القادم من وادي عبقر… أو الهابط من جبل أوليمبوس..
وقد تكون فتاته هذه من أحد هذين العالمين أيضاً..
فهي لا وجود لها – قطعاً – في عالمنا؛ ولذلك يسائلها: ماذا يكون حبيبتي؟… ماذا يكون؟..
وماذا تكونين أنتِ؟……. أو من تكونين؟..
ففي عوالمنا المرئية – الإنسية – ما من فتاة أحلام… ولا فتى – أو فارس – أحلام..
تماماً مثل الفرق بين النظرية والتطبيق في عوالم السياسة..
وإن كانت هنالك دولٌ قطعت شوطاً بعيداً في طريق الوصول إلى فتاة الأحلام السياسية..
والاقتصادية كذلك؛ والثقافية… الاجتماعية… والمسلكية..
وهي الدول التي تحقق فيها قدرٌ (متقدم) من نسب السعادة… والجمال… والحلاوة..
بينما دولتنا هذه تحتل مرتبة (متقدمة) في معكوس التصنيفات..
في السعادة… في المعيشة… في الشفافية… في الرفاهية… في الاقتصاد… وفي استقامة الحكم..
فهي إما الأولى… أو الثانية… أو الثالثة..
وإذا عكسنا لائحة التصنيف فهي إما الطيش… أو ثانيه… أو ثالثه…
بل ربما نحن الدولة الوحيدة في العالم التي تتقهقر… ولا تتقدم..
وكيلا يكون كلامي هذا من بنات خيالي – كما الشعراء – فلنأخذ مقياساً واحداً فقط..
وهو العملة المحلية… الجنيه..
انظر إلى قيمة جنيهنا – في حقبة الحزبية الأولى – مقابل الدولار… وإلى قيمته الآن..
أي إلى ما آلت إليه القيمة هذه بعد أكثر من ستين عاماً..
ستلاحظ أن أية حقبة سياسية – من عمر استقلالنا – تقل فيها قيمة عملتنا أكثر من السابق..
أكثر مما كانت عليه خلال الحقبة التي سبقتها..
وهكذا نحن – وجنيهنا – في حالة انحدار متواصل… كما تنحدر صخرةٌ من قمة جبل أوليمبوس..
ولكن لا تنحدر لنا عقولٌ مبدعة – أبداً – من قمة الجبل هذا..
وأعني في السياسة؛ أما مجالات الإبداع الأخرى فلا نفتقر فيها إلى مثل عقل حسن..
حتى رواندا نهضت – وتقدمت – ونحن نتأخر..
فهل العلة فينا كشعب؟… أم في أنظمتنا؟… أم في عقلية سياسيينا؟… أم في ظروف دولتنا..
قطعاً ظروف بلدنا – الطبيعية – بريئة تماماً من هذه التهمة..
فهي حبتنا – مما حباها الله – بخيراتٍ ثلثها فقط كان سبباً في نهوض بلدان من حولنا..
يبقى – إذن – في دائرة الاتهام الشعب… والساسة… ونظام الحكم..
ونستبعد النظم العسكرية؛ بما أنها من معوقات التقدم الحضاري أصلاً..
فيتبقى لدينا عاملان؛ الشعب… وذهنية الساسة..
ذهنيتهم حتى في الفترات التي تعقب الحقب العسكرية؛ سيراً على طريق الديمقراطية..
وبما أن الحقب العسكرية هذه ينهيها الشعب فهو برئ كذلك..
وتنحصر الأزمة – من ثم – في عقليات الذين يحكمون باسم الثورات الشعبية..
سوف نلاحظ – هنا – شيئاً غريباً جداً..
وهو ألا فرق – يُذكر – بين عقلية هؤلاء… وعقليات الحاكمين بقوة السلاح..
الأنانية ذاتها… شهوة التمكين ذاتها… حب الخلود ذاته..
وتبعاً لذلك الشبق للنعيم السلطوي ذاته ؛ بمخصصاته… ونثرياته… وفارهاته..
ونظل نبحث عن فتاة أحلامنا – السياسية – لما يقرب من سبعين عاماً..
منا من قضى نحبه… ومنا من ينتظر… ومنا من لم يأت دوره في قائمة الانتظار بعد..
وتظل – هي – فتاةً حلوة… جميلة… وست الكل؛ ولكن لا وجود لها..
كفتاة حسن !!.