آمال عباس تكتب :وقفات مهمة المرأة.. في الأغنية السودانية (3)
نواصل وقفتنا مع المرأة في الأغنية السودانية لا من أجل التنويع في الموضوعات وحسب ولكن ايماناً بأن الحال التي تكون عليها المرأة هي انعكاس لحال المجتمع بشكل عام. ولما كان مجال الأغنية هو اصدق مجال للتعبير عن هذا الوضع جاء استرسالي في الحديث عن المراة في الأغنية السودانية حتى نصل الى جوهر النظرة للمرأة في الذهن الجماعي للأمة.. ونصل بالتالي الى الذي ند أن نبقى عليه والذي نبحث له عن الحلول التقدمية.. وهذا بالتأكيد امر ليس بالسهل في مجتمع يغلب عليه الطابع التقليدي كالمجتمع السوداني الذي قلنا لم يتحدد المعيار الموحد لبعث الذاتية السودانية حسبما تحتاج المرحلة ويحتاج العصر.. وذلك لتداخل التقاليد والعادات الاجتماعية التي تشكل الكثير من القيود.
كان أن تناولت في الاسبوع الماضي المرأة في غنائيات الشاعر الشعبي الحاردلو وخلصنا الى انها كانت في حد ذاتها تعبر عن وجهة نظر متكاملة حول المرأة وحول مفهوم علاقة الحب او العشق أو الغرام.. ولنؤكد عدم امكانية اصدار الأحكام والمعايير المطلقة في هذا المجال نأتي بشاعر آخر عاش فترة طويلة مع الحاردلو ويقال انه كان صديق حميم له وقد عناه بمربع من شعره يقول فيه:
ابراهيم صاحبي المتمم كيفي
ثبات عقلي ودرقتي وسيفي
مطمورة غداي مونة خريفي وصيفي
وسترة حالي في جاري ونساي وضيفي
وع ذلك نجد ان نظرة ابراهيم ود الفراش للعلاقة بالمرأة تختلف عن نظرة الحاردلو.. وقد نرجع ذلك لطبيعة تكوين شخصية ود الفراش الذي ينحدر من أصل غير سوداني.. وود الفراش اهتم كثيراً بالنواحي الجمالية في المرأة ولكن كان لديه مفهوم محدد بشكل واضح حول “الحب” على غير ما نجد في كثير من غنائيات الحاردلو أو الذين عاشوا في تلك الفترة.
هناك قصة “حب” مشهورة لود الفراش عندما صورها كان رافضاً وكان يعالج في مسألة اجتماعية كبيرة.. اذ كانت محبوبته وهنا يحق لنا ان نستعمل هذا التعبير.. جارية اسمها “الدون لحق” وقد كانت جميلة ولكن اهل الشاعر استنكروا عليه هذه العلاقة والجهر.. غير انه دافع عن عواطفه متحدياً الكثير من المفاهيم الاجتماعية السائدة آنذاك.. يقول ود الفراش:
بقولحراي
خاتي النقة هي فريخة شراية
تسليخ بت نورة يضوي زي مراية
تقول شباك محكر في صراية
روح التحدي والرفض تتجلى في استهلال المربع الغنائي اذ كان قسماً بأن محبوبته خالية من العيوب “خاتي النقة” وجميلة تستحق حبه حتى ان كانت جارية فهي لا كاللائي يتم بيعهن في السوق “من فريخة شراية” ويستمر في هذا الإطراء عليها ويقول:
الدون حبابا الدون حبابا
ام شعراً تقول وتر الربابا
يا الفراش ابوي كان تسمع خطاب
تجرد المال تخلي البيت خرابا
والمخاطبة لأبيه واضحة في ان سبب تعلقه بالدون ليس جمالها وحده وانما للطفها وحلاوة حديثها.. ويذهب اكثر ويدخل في تحدى لابيه ان هو سمع حديثها لا محالة واقع في غرامها مسرف في الصرف عليها وهنا تكمن قوة التحدي والاصرار في تكسير الحواجز الاجتماعية التي تحرم عليه علاقة مثل هذه.. ويواصل ود الفراش عناتياته روح التحدي للمفاهيم الموجودة يهزها في قوة علها تنهار يقول:
بت قنديل ولدت وجبت صيدة
جبت الدون لحق كول الهديدة
امي مزيخة لي عريك جليدة
وابوي قواد وانا ابراهيم عبيدة
روح الرفض صارخة في الغنائية السالفة فهو يقول “لبت قنديل” “ام الدون انك ولدت فتاة جميلة تشبه الصيدة التي ترعى في الوديان الخضراء ويدخل في مرحلة جديدة من اغاظة المجتمع في ان يقول ان امه “خادم” لتدليك جسم محبوبته وهي نفسها التي يقال انها دون مستوى علاقته لانها “خادم” ولم يترك ابيه ايضاً من خدمتها ولا هو فالأب يقود رسن الهودج وهو تحت خدمتها بلا حدود “عبيد” وفي المجمل نصل الى ان الشاعر كان وفياً وواضح العلاقة وكان عازماً على ان يصل بعلاقته معها حد الاقتران وظل يقول فيها الغناء بشكل ثابت لا تشاركها في قلبه اي حسناء غيرها فهو يتتبع حياتها ويصورها ويعبر عنها بالتفاصيل.
يقال ان الدون اصيبت بالحمى فانقطع الشاعر عن الذهاب لمكان عمله “كان يعمل جندياً بالجيش التركي” وقال في هذا:
الدون برية الدون برية
وليها ندهت المرغنية
بماسي الدون ولا تسأل علي
وبصابح الدون بلاش العسكرية
وايضاً يقول عندما لدغتها عقرب:
جات العقرباي اتعضرت لي
قالت ما دنيت ليها هي الدنت لي
جيتكيا اللبيب كان ترضى كتلي
بدور الدون أكان اشفعت لي
وابراهيم ود الفراش في علاقته مع الدون وصل حداً بعيداً في مفهوم وحدانية العلاقة والهيام بمن اعطاها قلبه فمثلما يتصور في المربع السابق ان العقرب “ندمت” على ما فعلته بالدون واتته معذورة بل طلبت منه ان يقتلها على ما فعلته بالدون واتته معتذرة بل طلبت منه ان يقتلها وان كانت تأمل من الدون الشفاعة لانها هي التي اتت لها “العقرب لا تلدغ الا دفاعاً عن نفسها” ويقول ود الفراش عن حبه للدون سينجيه من المساءلة عندما بات اجله يقول:
الدون اباها دوني
راحة بدني ونوارة عيوني
بشوف ساعة منكر ونكير يجوني
وبلقو الدون معاي ما يسألوني
هذا جانب من قصة حب ملتهب عبر عنها الشاعر في كثير من الوفاء والاخلاص.. ولكن بالرغم من اخلاص ود الفراش وانقطاعه للتغنى في الدون ورغباته الطيبة في ان تتوج علاقتهما المليئة بالحركة والصراع افراح زواجهما وكان يقول:
بدور البل بدور تلب الهدودة
بدور ضانا برق ماليلو فودة
بدور اولاد ابوي مثل الاسود
بدور شرع الله للنايرات خدودة
ويؤكد اصراره في مربع آخر اذ يقول:
سلبت لحمي خلت غيره لوني
تهف لي ام فليج اهلي ان هدوني
طريق ال بالمزاح امات جوني
غرق في الدموع لا من حتلوني
بالرغم من كل هذا طعنته الدون وخانته اذ دخلت في علاقة مع سواه عندما تغيب في احدى مأمورياته.. وهذا ترك في نفسه شرخاً عميقاً انعكس في شعره وفي مفهومه العام وأدى الى هز قيمة الوفاء والاخلاص عنده تجاه المرأة.. بل وأدى هذا ايضاً الى رد فعل عنيف تجاه الدون مما جعله يتراجع عن المفاهيم الاجتماعية التي ناضل من اجلها وتحدى المجتمع.. يقول في هجاء الدون بعد خيانتها له:
كم شويم في عقبة ونتيلة
بجيب مصروف كتير ما خليت حيلة
بريدك من زمان مددا طويلة
خسارة ريدتي في الخادم الرذيلة
ومن هنا ايضاً بدأ تغيير مفهوم الشاعر للمرأة وانعكس هذا في تعدد علاقاته مع مختلف الحسان واستمراره في الانتصار لعواطفه مضحياً بأي شيء حوله يقال انه تغيب عن مكان عمله عدة ايام وبعد ان عاود الذهاب للعمل اوقعت عليه عقوبة الجلد.. فقال ساخراً ومصراً على المضي في طريقه:
يا حسين اغا جاتك اذية
ضرباً مو كتير بس خمسمائة
برقد وانستر واطرى البنية
وعقب لي بلد ام شليخ ياخد لي جية
ويؤكد ان المرأة عموماً في نظره تحولت لى معشوقة وقيمة جمالية وحسبه وحسب.. وكان ان غلب الجانب الحسي على غنائياته بشكل واضح ربما يرجع ذلك الى الصدمة العاطفية التي اعقبت حبه واخلاصه “للدون” ففي الكثير من شعره يعبر عن رغبته في الوصول للتي تلفت انتباهه ولا يحدثنا عن الكيفية مثلما كان يفعل مع الدون يقول:
ولف قصيدة
عناق التوتو الحذر هويدا
وكت الفوم بركرك فوق فنيدا
تخلي الكبدة واب دمام هريدة
واضح الجانب الحسي في هذا المربع الغنائي.. الفوم نوع من الخرز الكبار ينضم وتلبسه المرأة ويسمى “الحقو” ويكون له صوت عندما تتحرك عموماً مربوط بالجوانب الحسية ويذهب ايضاً في وصف مغامراته وغزواته التي لم تكن عنده ايام حبه للدون ويقول:
ماكلاني نارا
ست الكسكسي ام روابة غزار
ترباية بطر من بيت امارة
جزم زولك لا بلاي ما قالوا زار
هذا ما كانت عليه المرأة في غنائيات ابراهيم ود الفراش ومهما كانت ذاتية التجربة الا انها تمثل وجهة نظر وتعكس واقعاً اجتماعياً معين.. ومدى الحركة التي كانت فيه ونستطيع ان نقول على الرغم من مفهوم العلاقة المحددة لدى ود الفراش حول المرأة الا ان الواقع المعين وتصرف الدون حياله كان تأكيداً لصعوبة تحليل مشاكل المرأة فالدون عندما اقدمت على خيانة ود الفراش لم تكن تنظر لها في هذا الاطار وانما كانت نظرتها للامر على اساس انها خارج نطاق محاسبة المجتمع بحسبان انها “خادم” وان الاستحالة مؤكدة في ان يقترن الشاعر بها.. نواصل الاسبوع القادم..
حول قداسة الميثاق وحماية الثورة (2)
نواصل المناقشة حول لماذا نقدس الميثاق في سبيل حماية الثورة ونطرح تجربة العمل السياسي للاتحاد الاشتراكي على مدى ثلاث سنوات على هدى ميثاق العمل الوطني.. متثالاً للواقع كانت مهمة بناء الاتحاد الاشتراكي من خلال الأرضية الثورية والتقدمية لثورة مايو تدور حول محورين.
الأول معركة بناء السودان الديمقراطي الاشتراكي التقدمي في معاناة جعلت الثورة في حالة من المد والجزر دائمة بفعل ما تعرضت له من مؤامرات وعراقل زرعها بالتساوي اليمين الرجعي واليسار المنحرف الواقع تحت تأثير المذهبية الجامدة.
والثاني معركة التنمية واكساب جميع حركات الجماهير في الاتحاد الاشتراكي وغيره من المنظمات الفئوية والجماهيرية عمقها وفعاليتها الاقتصادية في دفع مشاريع التنمية المختلفة.
فمن المحور الأول تكون مراعاة حركة الجماهير منذ اندلاع الثورة واتجاهها الى تأكيد حقها في المشاركة في السلطة والرقابة والتوجيه.. ومن المحور الثاني على الاتحاد الاشتراكي ان يضع الدليل السياسي المفصل للعمل الاقتصادي والسياسي موظف لصالح خدمة التنمية. وهذا الدليل او البرامج يحتما نوعاً من العمل مضني وصبور اذ ان الانسان السوداني نتاج لواقع اجتماعي واقتصادي سالف فهو مع ميله المطلق والطبيعي الى تأييد الثورة.. تسيطر على سلوكه وعاداته وممارساته السياسية والاجتماعية والاقتصادية عوامل كثيرة موروثة ومتخلفة عما هو مطروح الآن.
هذا من ناحية المناخ العام الذي بدأت فيه حملة تكوين الوحدات الأساسية للاتحاد الاشتراكي وبعد ان فرغ المؤتمر التأسيسي من أعماله واجاز النظام الأساسي وميثاق العمل الوطني ومشروع الدستور الدائم للبلاد.. هذا كان في حد ذاته دليلاً قاطعاً وقوياً لخروج الثورة من المؤتمر عملاقة كما كانت واضحة وضوحها يوم ان تفجرت.. اصرار على خطها التقدمي.. وتأكيداً على مضيها في طريق التغيير نحو مجتمع الكفاية والعدل.
واذا نظرنا للسلبيات التي صاحبت تكوين الاتحاد الاشتراكي باسقاط ظروف المد السياسي العالي التي اعقبت مغامرة 19 يوليو المسلحة نجد ان معظمها لا تخلو من ممارسات القديم التي استطاعت التسلل اعتقاداً وهماً منها بان الثورة قد تخلت عن برامجها التقدمية والثورية.. وهذه كانت تحسمها خطابات قائد الثورة في كل المناسبات.. وتحسمها اكثر ممارسات الثورة على صعيد العمل السياسي.
وبالتأكيد ان علاج الجوانب السلبية في الاتحاد الاشتراكي لا يكون ولا يمكن ان يكون بأي صورة من الصور بمراجعة الميثاق او التساؤل حول مدى فعاليته لسبب واحد وهو ان عمر التجربة قصير وان الميثاق جاء خلاصة دسمة لنضال الشعب السوداني.. وآمالاً مشرقة في مستقبل زاهي تحققه ثورة مايو لجماهير الشعب السوداني.. ولأن الميثاق لم تتبنى التجربة فصوره بقدر ما اشارت الى نجاحات فاقت الاعجاز في مجال جمع شتات الامة السودانية المترامية جغرافياً وقبلياً في وحدة وطنية ذات محتوى تقدمي على الصعيد السياسي والجغرافي وما نجاح تنفيذ “الحل العلمي لمشكلة الجنوب” قانون الحكم الذاتي الاقليمي الا دلالة واحدة على ذلك ولكن الذي حدث اشارات لقصورنا نحن سواء اكان في الممارسات السياسية أو الفهم المتحفظ التقليدي من قبل قيادة الجهاز التنفيذي حتى على مستوى الوزراء وقد قال الاخ القائد نميري امام مجلس الوزراء الجديد “كنت ارصد الانتماء الشكلي لبعض الوزراء للاتحاد الاشتراكي في الوقت الذي كان فيه التنظيم السياسي الاوحد في البلاد موضع الهجوم من جانبهم في مجالس السمر ودون وعي بتناقض موقفهم فضلاً عن مواقعهم داخله انتساباً اليه وخارجه التزاماً بمواثيقه وتنفيذاً لمخططاته وامتثالاً لقراراته باعتباره السلطة السياسية الأعلى في البلاد.
ايضاً لا يمكن ان يكون برفض سلطة الاتحاد الاشتراكي وانفراده بقيادة العمل الوطني مهما تلونت هذه النغمات والأصوات بأساً من الفوضى وتغنياً بعراقة الجهاز التنفيذي.
وبعد هذه المسيرة يكون من العسير فهم اخضاع ميثاق العمل الوطني للمناقشة قبل اخضاع برامج اللجنة المركزية واللجان المتخصصة والتأكد من مطابقتها لروح الميثاق.. وقبل اخضاع ممارسات الجهاز التنفيذي لنفس الدراسة والمحاسبة.
وهناك نغمة نتخوف من ان تتعرض الثورة لعملية احتواء من اي مجموعات عقائدية عن طريق تفسيرها لميثاق العمل الوطني وهذا من شأنه ان يدخلنا في المتاهات الموغلة في التهويم والبعيدة كل البعد عن منطق الواقع. فمن هم العقائدون المشار اليهم؟
بالقطع ليس هم الاخوان المسلمون لأن ليس لهم مجال فيما هو مطروح من قبل الثورة فهم لا يطلعون على الميثاق ناهيك عن محاولاتهم تفسيره لمصلحتهم وان كان المشار اليهم تلك المجموعة الصغيرة من الشيوعيين فهم الذين سقطوا بفعل تحليلاتهم اللا علمية لما تحتوي عليه ثورة مايو من تقدمية وصدق واصالة سودانية.. وهم انفسهم الذين تجرأوا على اكبر انتصارات الثورة وهاجموا التأميم ووصفوه بالتسرع والارتجال وهم ذاتهم الذين تآمروا على سلطة تقدمية عن طريق انقلاب مسلح وكانوا قد تحفظوا من الوقوف معها لانها انقلاب وهم بعينهم الذين وقفوا مع اقصى اليمين الرجعي في ارضية واحدة ومن منطلق واحد وبذا فاتهم شرف المساهمة في الذي ينتظم السودان من حركة جادة للبناء والتغيير.. وايضاً هم يخافون الميثاق ولا يقربونه لان ادوات نضالهم تغيرت واصبح على رأسها الحقد والبحث عن الثأر فكيف يفسرون الميثاق لمصلحتهم؟
اما اذا كان المشار اليهم هم الذين كانوا في عضوية الحزب الشيوعي السوداني قبل قيام ثورة مايو.. والذين قاوموا محاولات كسر رقبة التاريخ التي كانت تقودها مجموعة صغيرة في قيادة الحزب الشيوعي حيال تقييم الثورة وطبيعة برامجها وكانت مقاومتهم واضحة ومنحازة لمنطق الواقع ان كان اولئك هم المشار اليهم فهم الآن مواصلة لمواقفهم النضالية يتخذون مواقعهم في ايمان وصدق داخل تحالف قوى الشعب العاملة.. وانا لا اريد ان ادفع عنهم اتهام فممارساتهم تكفي.
ولكني اقول كنت في الحزب الشيوعي وكان لي شرف الانحياز للواقع الاخضر.. وكان لي شرف الايمان والانصهار فيما هو مطروح في ميثاق العمل الوطني الذي اؤكد تقديسي له مثلما اقدس نضال الشعب السوداني على مر حقب التاريخ.. واقول ايضاً ان الذي يتخوف من تفسير العقائديين للميثاق يسلب ثورة مايو سمة كادت تنفرد بها على صعيد ثورات التعبير في العالم فالميثاق يمثل مصلحة مجموع الأمة السودانية واي مجموعة مهما كانت مؤثرة اذا حاولت تفسير الميثاق على اختلاف ما منصوص عليه بوضوح سوف تنكشف لسبب واحد وبسيط لأن المحاولة مهما كبرت وغلفت ستكون اصغر بكثير مما اشارت اليه تجربة العمل التحالفي ومطابقتها لظروف المجتمع السوداني. وما اظن ان هناك شخص واحد يقدم مصلحة السودان يرضى ان يتخلف عن التجارب الجماهيرية الناجحة وان يكون دونها. وهذا مما جعلني اقابل هذا التخوف بتخوف اكثر منه لاقول لمصلحة من تثار مثل هذه التخوفات وقد انتظم العمل السياسي روح طاهر لمفهوم الوحدة الوطنية. وحملة تصعيد العمل السياسي وتأكيد دور الاتحاد الاشتراكي يقودها قائد الثورة بنفسه ويقول “ان الاتحاد الاشتراكي السوداني هو السلطة الأعلى في البلاد تنضوي تحته كل السلطات.. لا تتعالى عليه بل وحتى لا تتوازى معه وانه فيما يضع من سياسات فهي ملزمة في عموميتها وتفاصيلها للجهاز التنفيذي وفي مختلف مستوياته وهي غير قابلة بأي صورة للمراجعة أو المناقشة او التعديل أو الارجاء”. فضلاً عن ان هذا لا يقود الى تقييم التجربة بقدر ما يحد من ثقة الجماهير في الوثيقة التي تقود الاتحاد الاشتراكي ميثاق العمل الوطني.
والحديث السالف لا يشير لخلو التجربة من الأخطاء وليس من الطبيعي ان مثل هذا التحرك الواسع والذي تم في مثل هذه الظروف السياسية والرواسب الاجتماعية تدعى له الكمال أو القليل من الاخطاء.. وفي نفس الوقت يجب ان لا تخشى مجموع السلبيات ويجب الا يضيق صدرنا عند سماع النقد ولا سيما نقد الحادبين والحريصين على تطوير التجربة ويجب ايضاً ان يكون صدرنا واسع حتى لحديث الأعداء.. الأول نناقشهم ونتدابر الامر معهم ونثبت ايمانهم والذين بعدهم نحاورهم ونؤكد لهم على الدوام ان الثورة لهم وان لم تكن بهم..
نواصل الاسبوع القادم
مقطع شعر:
الى الذين يمثلون حضور النضال العربي والنضال الانساني ضد كل قوى الغدر والخيانة.. لا اقول لكم تمنياتي بالنصر لانه حتمي الحدوث ولكن اردت ان احيي نضال ابناء الامة الفلسطينية.. اردت ان احيي الفدائيين الفلسطينيين صانعي المعجزات.. احييهم بكلمات عانقت المدفع قالها شاعرهم الشاب محمود درويش.. قالها في الذكرى العاشرة للكفاح المسلح.. وانا احيي فيها ذكرى معركة الكرامة التي كانت منعطفاً مشرقاً بعد النكسة.. الى مناضلي فلسطين والى جميع مناضلي العالم.. مقطع من قصيدة “تلك صورتها وهذا انتحار العاشق التي جاءت في العدد الخاص من مجلة فلسطين الثورة.. الصادر في يناير من عام 1975م:
شكرا للندى .
وأمرّ بين أصابع الفقراء سنبلة، ّ ولافتة ، وصيغة بندقيّه .
ضدّ اتجاه الريح
تنفجرين تنفجرين في كل اتجاه
تنتهي لغة الأغاني حين تبتدئين
أو تجد الأغاني فيك معدتها ..رصاصتها.. وصورتها
أقول : البحر لا
والأرض لا
بيني وبينك “نحن”
فلنذهب لنلغينا ويتحد الوداع.
الان أغنيتي تمرّ . تمر اغنيتي
على مدن السواد
فتسرحين الشعر أو تتناسرين
على الخرائط والبلاد
والآن اغنيتي تمر
وتمر اغنيتي على حجر فيزهر
من يديك اسمى ويتحد اللقاء
ماتوا ولا تدرين.. لكن الجدار
يقول ماتوا في تساقطه
ولا تدرين ماتوا
تلك اغنيتي ووجهك طائر ومتى
يودعني الوداع
وساعة الدم دقت الموتى
وموعدنا النحاسي الدخاني
الحريري المزود بالزلازل والمقيد بالجدائل
والآن تنتحرين تنتصرين تنطفئين
تشتعلين في الميدان والنسيان
دقت ساعة الدم
دقت الموتى
ليفتحوا نشيد الفرقة بين العشق
واللغة الجميلة
من أمثالنا:
مافي سفر بلا دبر