محمد البحاري يكتب : تباريح الهوى
تحدثت في المقال السابق عن الإبداع داخل المؤسسة العسكرية وأن ضروب الإبداع كثيرة جداً داخلها وتخرج منها كثير من المبدعين الذين وضعوا لمساتهم الواضحة في حركة الفن السوداني..
(محمد الفاتح عوض بخيت النور) الذي يعرف باسم (الفاتح كسلاوي) وهو أم درماني الميلاد لكن نسب الى كسلا بعد ذهابه مع الأسرة والاستقرار بها نسبة لعمل والده الذي يعمل بالشرطة هناك ومن هنا جاءت التسمية وهو يعد واحدا من مبدعي المؤسسة العسكرية التي تدرج في رتبها من العام (١٩٧٥) إلى العام (٢٠٠٠) ووصل فيها لرتبة رائد..
(الفاتح كسلاوي) واحد من المبدعين الأفذاذ الذين شكلوا الوجدان السودني بألحان ظلت خالدة في وجدان الشعب السوداني وتعتبر جميع ألحانه مدرسة لحنية متفردة وتتسم ألحانه بالشجن وأبدع كثيرا جداً في الأغاني الحوارية التي تلوم وتعاتب الحبيب نأخذ نموذحين من ألحانه للأغانى الحوارية..
أولاً نأخذ أغنية الراحل (عبد العزيز المبارك) التي صاغ كلماتها الشاعر المرهف (عثمان خالد) (بتقولي لا) التقى هذا الثالوث الخطير في هذه الأغنية فكانت النتيجة مجموعة من المشاعر والأحاسيس الدفيقة من الشاعر (عثمان خالد) التقت بإبداع كسلاوى وأخذها الراحل (عبد العزيز المبارك) إلى خانة الإبداع بذلك الصوت الندي والطريقة الأدائية المتميزة سكب عليها (كسلاوي) ألواناً من الشجن والعتاب اللحني كأنما الشاعر يخاطب محبوبته أمامه وهذا يدل على إبداع (كسلاوي) الواضح في أغنيات الشجن..
نموذج آخر للأغنية الحوارية التي أوجد فيها روحه الشفيفة وألحانه التي تدير حوار الكلمات مع الموسيقى واللحن أغنية (ليه كل العذاب) كلمات المرهف (التجاني حاج موسى) أداء العندليب الأسمر (زيدان إبراهيم) وتعتبر الأغنية من عيون الغناء السودانى تجد فيها خامة لحنية متميزة وهذا ما دعاني للقول إن (كسلاوي) نجح نجاحاً كبيراً جداً في الأغنيات ذات الطابع الحواري المملوء بالشجن والعتاب واللهفة..
أعتقد أيضًا من الأسباب التي شكلت الإبداع في دواخل (كسلاوي) تلك الصداقات التي جمعته مع مجموعة من المبدعين أمثال صديقه الملحن (عمر الشاعر) وهو أيضًا يعتبر واحدا من المبدعين الذين تخرجوا من (القوات المسلحة) و(عمر الشاعر) و(كسلاوى) جمعت بينهما عراقة أم درمان وتوتيل فكان بينهما القاسم المشترك من الإبداع أيضاً جمعته الصداقة مع الراحل (زيدان إبراهيم) والشاعر (محمد جعفر عثمان) والشاعر (التجانى حاج موسى)..
أيضاً له تعاون مع مجموعة من الفنانين أمثال (كمال ترباس) فى (أغنية عيني ما تبكيى) والفنان الراحل (إبراهيم حسين) في أغنية (لو جارت عليك أيام) استطاع من خلال هذه الأغنيات أن يسطر اسمه بأحرف من نور في وجدان الشعب السوداني بهذه الأعمال الجميلة والراقية..
الفاتح كسلاوي في قلة أعماله تكمن جودتها.. ولولا ارتباطه بالمؤسسة العسكرية لتفرغ لإنتاج العديد من الأعمال التي لا تقل رشاقة عن أعماله التي أبدع فيها مع زيدان، وأم بلينة السنوسي، وعبد العزيز المبارك، وإبراهيم حسين، وترباس، والتاج مكي، وصديق عباس، زكي عبد الكريم، وآخرين.
ولعل شهادة الملحن الكبير عمر الشاعر فيه تغنينا عن بحث دوره في تجديد خصوصية اللحن السوداني. ولكن بماذا قال عمر الشاعر؟ قال إن أستاذه في التلحين هو الفاتح كسلاوي، حيث منه أخذ سر القدرة على إبداع الجدائل الغنائية. والحقيقة أن كسلاوي هو الذي تسبب في دخول الملحن الشاعر إلى المؤسسة العسكرية حتى تقاعد عميداً بينما تقاعد هو رائداً، ويا للمفارقة. والحقيقة الثانية أن هذه المؤسسة كانت وقتها تضم أفذاذا المبدعين، منهم الصاغ محمود أبو بكر، والشاعر والملحن الطاهر إبراهيم، وعوض أحمد خليفة، وجعفر فضل المولى، وعوض مالك.
وكسلاوي يعتبر نموذجاً للمبدعين الذين تربوا وترعرعوا فى كنف (القوات المسلحة) وغيره كثيرون من المبدعين داخل (القوات المسلحة) لنا نماذج كثيرة من المبدعين سنعرض لهم واحداً تلو الآخر.
نواصل