بعثة “يوناتميس”.. تنفيذ مهام أم “وصاية “ظريفة”؟
تقرير: محجوب عثمان
بطلب من رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك اتخذت الأمم المتحدة قراراً بإنشاء بعثة مدنية أممية لمساعدة السودان على العبور فوق ألغام الفترة الانتقالية، وتمت تسميتها باسم “البعثه الأممية المتكاملة لدعم الانتقال في السودان” واختير لها اسم “يونيتامس” اختصارًا على شاكلة جميع بعثات الأمم المتحدة حول العالم، وتم اختيار الهولندي فولكر بيرتيس رئيساً لها.. ورغم أن طلب إنشاء البعثة تم من السودان وحددت مهامها وفق طلب السودان إلا أن تشكيل البعثة ووصولها السودان وبداية ممارسة عملها صاحبه الكثير من التشكيك خاصة من أنصار النظام البائد الذين روجوا أن البعثة لا تعدو كونها وضعاً للسودان تحت الوصاية الأممية والاحتلال الجديد.
استقرار
وبعد وصولها السودان واستقرارها في مقر على شاطئ النيل الأزرق في امتداد شارع النيل ضاحية المنشية بدأ رئيس البعثة فولكر بريتيس في ممارسة العديد من الأنشطة وعقد عددا من اللقاءات ربما رسخت في أذهان الكثيرين ما ظل يروج له بعض معارضي الحكومة الانتقالية بأن نشاط البعثة لا يخرج عن الوصاية الأممية، إذ أن بيرتيس وفي مؤتمر صحفي عقده بالخرطوم قال إن بعثته تراقب عملية وقف إطلاق النار، وتنفيذ أحكام الشراكة في السلطة، وبناء قدرات الشرطة، وبناء قدرات القضاء، وسيادة حكم القانون. وأشار إلى أن المشاركة الفعالة للمرأة مرتبط بكل الأهداف الاستراتيجية للبعثة وأقر بوجود تحديات حقيقية تواجه الانتقال في السودان ووصفه بالمعيق لتقدم البلد، وعبرعن قلقه إزاء التأخير في تنفيذ اتفاق سلام جوبا لا سيما مسألة الترتيبات الأمنية. ولفت إلى أن هناك من يشير لتأخر تنفيذ بند الترتيبات الأمنية لنقص في الموارد بينما يشير آخرون لنقص الإرادة السياسية، ونادى بضرورة إيجاد خارطة طريق لبناء جيش واحد تحت مظلة الدستور.
وأوضح أن خارطة الطريق التي يعنيها لا تكون قصيرة الأمد بل واقعية ومتنامية، معتبرًا أن ذلك متعلق بسيادة السودان… ومن ذلك يرى مراقبون أن بيرتيس لم يترك شيئاً دون أن تدس البعثة أنفها فيه باعتبار أن المهام التي قال إنه جاء للمساعدة في تنفيذها تشمل كل مناحي إدارة الدولة السودانية.
تفويض
وإن كان المتشائمون من المراقبين يرون أن بعثة بيرتيس تتجاوز تفويضها وتدس أنفها فيما لا يعنيها مستشهدين بأن البعثة بصدد عقد اجتماع تشاوري بعد غدٍ الأحد لمناقشة طرق تنفيذ عمل لجنة وقف إطلاق النار الدائم وآلياتها الفرعية لكن آخرون يرون أن ما تقوم به البعثة من صميم أعمالها خاصة فيما يتعلق بمراقبة وقف إطلاق النار مستدلين بقرار مجلس الأمن رقم 2579 لسنة (2021) الخاص بتوجيه الأمم المتحدة بإعطاء أولوية لمراقبة وقف إطلاق النار في دارفور بما يتماشى مع الدور المتوخى للأمم المتحدة في اتفاق جوبا للسلام والأولويات الوطنية للسودان، والمرسومين بالأرقام 245 و 244 الصادرين بتاريخ 30 يونيو 2021 عن رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، بشأن تحديد عضوية لجنة وقف إطلاق النار الدائم واللجان القطاعية لمسار دارفور واختيار رؤساء لتلك الجان من بعثة يونيتامس.
احتلال
والملاحظ أن النشاط الكثيف للبعثة والذي يقوم رئيسها بالعديد من الأنشطة الداخلية ويعقد اتفاقات مع عدد من الجهات بعد توقيعه على الاتفاق الذي بموجبه نشأت البعثة في السودان ومقابلته لرئيس الوزراء ومدير الشرطة وغيرهم من الجهات جعله في مرمى النيران التي ترى أنه يفعل غير ما أتى من أجله ويقول القيادي بالمؤتمر الشعبي د. كمال عمر لـ(الصيحة) إن ما تقوم به بعثة الأمم المتحدة في السودان ما هو إلا احتلال جديد، ويشير إلى أنه من حق رئيس الوزراء أن يعقد اتفاقاً لاستقدام بعثة في ظل عدم وجود المجلس التشريعي وأضاف “كنا نظن أن السودان تحرر من القيود الأممية بانبثاق ثورة ديسمبر لكن لم يتحقق ذلك”، مبيناً أن الوضع الحالي وضع انتقالي ولا يحق لحكومة انتقالية انتداب بعثة أممية أو التعاقد مع جهة لحماية الانتقال ولفت إلى ان المجتمع الدولي يعول على أهمية حماية الانتقال الديمقراطي ويرى أن ذلك دور حقيقي للمجتمع الدولي باعتبار أن السودان جزء من المنظومة الدولية، بيد أن الامر لا يتم بهذه الطريقة، وقال “ليس من حق مجلس الوزراء أو مجلس السيادة القيام بذلك في ظل عدم وجود مؤسسة تشريعية منوط بها النظر في ذلك الأمر”، وأشار إلى أن رئيس الوزراء بانتدابه لتلك البعثة أصبح يقرر بنفسه، وقال: “يفعل ذات ما كان بفعله عمر البشير بإلغاء دور المؤسسات الأخرى”. وأضاف “نحن ضد وجود بعثة أممية تنتقص من سيادة السودان”.
وصاية ظريفة
ولكن بالمقابل يرى العديد من المراقبين السياسيين أن البعثة ستساعد السودان كثيراً وفي ذلك يقول الخبير السياسي د. صلاح الدومة لـ(الصيحة)، إن بعثة الأمم المتحدة “يونتاميس” فيها نوع من “الوصاية الظريفة” مشيراً إلى أن البعثة مهمتها أن تحول السودان من دولة فاشلة إلى دولة تحت النمو لافتاً إلى أن ذات البعثة تم تطبيقها في 4 دول من قبل وكان رئيسها في الدول الأربع هو د. عبد الله حمدوك وحقق بها نجاحاً كبيرًا ضارباً المثل ببعثة دولة ليبيريا التي قادها حمدوك واستطاع من خلالها أن يحول ليبيريا إلى دولة في طريق النمو وأن تحقق معدلات نمو إيجابية، وقال “من يقولون إنها تدخلت فيما لا يعنيها هم أنصار النظام البائد الذين يريدون استعادة الهيمنة والسيطرة على السودان من جديد بالترويج لما يخدم مصلحتهم”، وأضاف “لا احتمال البتة لعودة الفلول مجدداً”، مشيراً إلى أن ما تقوم به البعثة من أنشطة لا يخالف صلاحياتها الممنوحة لها، ولفت إلى أن الشعب السودانى الآن يرى أن المصلحة في أن تعمل هذه البعثة وأن تعين البلاد على المضي قدماً في ترسيخ الديمقراطية الليبرالية التي تمنح الشعب السوداني الحرية في اختيار من يحكمه.