صلاح الدين عووضة يكتب.. يومياتي!!
يوماتي..
أو هذه – يومياً – يوميات زيدٍ من الناس في زماننا هذا..
وزيد هنا هو أنا..
ولكنه قد يكون أنت… أو هو…أو هي؛ بعد إضافة تاء التأنيث لتصير زيدة..
أو لو غضبت – هي – من هذا التحريف نخليها زبيدة..
وتبدأ يوميات زيد بجسم مخروش… وعقلٍ مدروش… ونظرٍ مطشوش..
فهو يظل يخرش جسده الليل كله..
عقب كل لسعة بعوض وهو يخرش؛ والسبب انقطاع الكهرباء كالعادة..
فهي باتت تقطع في وقت خروج الشياطين..
تقطع عند حوالي العاشرة ليلاً؛ ولا ترجع إلا قبيل انبلاج الفجر..
بعد أن يكون البعوض قد مصَّ عُشر دمك..
بل وهو – أي البعوض – حفظ برمجة القطع الليلي هذا عن ظهر خرطوم..
فأمسى يترقب موعد القطع هذا بفارغ الصبر..
حتى إذا حان – وخرجت أنت من مخبئك – أعمل خرطومه هذا في جسدك..
أعمله بشبق لا يقل عن شبق جماعتنا لشهوات السلطة..
وما يغذي الفئتين – البعوض والجماعة هؤلاء – واحدٌ؛ وهو دمك..
أو ما تبقى من دمك هذا جراء الراهن المعيشي..
ثم تبدأ رحلة عذابك اليومي – من بعد ذلك – بالمياه..
وتفتأ تشفط في حنفية موتورك حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين..
وأغلب الظن أن جهدك هذا لن تجني منه غير الشخير..
فعليك – إذن – أن تبحث عن فضل ماء عند جيرانك؛ أو تترقب حمار الماء..
تماماً كما كان يترقبه جَدُّ جدك في زمن التركية..
وسواءً وُفقت أم لا فعليك أن تخرج؛ وفق يوميات حركة عذابك اليوماتي..
وستجد بين كل قمامة… وقمامة… قمامة..
وعليك أن تجوب – بينها – بحاراً وبحارا يا ولدي… وتفيض دموعك أنهارا..
ولا تدري أتبكي على حالك أنت؛ أم حال البلد..
ثم ما أن تبلغ وجهتك حتى يدعوك داعي الفول إلى أن تأكل لتعيش..
أو بالأصح: ليعيش البعوض على ما تعيش به أنت..
أو على قليل دمك الذي مكوناته كلها بوش… وفول… وطعمية… وويكة..
وطوال وجودك في مكان عملك بالك مشغول..
ليس مشغولاً بما ترجع محمَّلاً به؛ وإنما بما ترجع محمولاً عليه..
فالعربة وقودها يحملك على التضحية بنصف أجرك..
والحافلة لا تحملك إلا إن كنت تحمل من المال أحمالا..
وربما تتمنى يوماً قال فيها الشاعر: على آلةٍ حدباء محمول..
وقبل دخولك بيتك تتذكر دواءك اليومي..
أو الدواء الذي أصبحت تداوم عليه يوماتي؛ جرّاء ضغوط الحياة… وأحمالها..
فإن رجعت… ووجدت الكهرباء… فلن تفرح..
صحيح إنها مفاجأة سعيدة؛ ولكنك لن تسعد بها لانشغال البال بحركة المساءلة..
أو التساؤل المستمر: متى ستقطع؟… ومتى ستعود؟..
أم كم ستستمر حالة فاصل ونواصل هذه..
فأنت في رحلة عذاب مستمرة؛ منذ أن تصحو… وإلى أن تغفو..
وذلك إن نجحت في أن تغفو أصلاً..
وذلك بسبب الحَر… والكتمة… وذوات الخراطيم..
ومن لم تكن هذه يومياته فهو – حتماً – من المحمولين على أكف الراحة..
أو الذين حُملوا إلى مواقعهم هذه على أكفك أنت..
وأكف الشهداء… والتعساء… والبؤساء..
أكف كل الذين كانوا يأملون في غدٍ أفضل؛ من بعد رحلة معاناة طويلة..
رحلة عمرها ثلاثون حولاً..
فإذا بالمحمولين لا يحملون سوى هَم ذواتهم فقط..
هَم محاصصاتهم… ونثرياتهم… وفارهاتهم… وسفرياتهم..
أو هَم تعويض ما عانوه من عذاب – وحرمان – لثلاثين عاماً..
ولا عزاء لك أنت إلا في انتظار أن تبدع..
وذلك مصداقاً لمقولة المثقفين: المعاناة تولِّد الإبداع..
ثم تختار عنواننا هذا عنواناً للذي ستبدعه؛ شعراً كان… أم قصة… أم مذكرات..
يوميـــاتي!!.