ويواصل الجندي وكيل عريف محمد آدم يعقوب، حديثه بقوله: بعد إيقافي عن العمل بالوحدة بناءً على قرارات وتوجيهات قائدي المباشر وتأكيده لي بأنهم سوف يقومون بتقديمي إلى محكمة عسكرية بسبب تصريحي لصحيفتكم القبس، بحجة أنني أفشيت أسراراً عسكرية خطيرة، أحدثت بلبلة كبيرة وسط الرأي العام وأربكت حكومة الإنقاذ آنذاك؛ وقال لي إن عقوبة هذه الجريمة التي ارتكبتها تصل حدّ الإعدام رمياً بالرصاص!
وبعد أن عدت للمنزل وأخبرت أسرتي وأهلي بهذا الحديث الخطير، زادت مخاوفهم وباتوا على يقين بأن الحكومة سوف تقوم بتصفيتي وتلحقني بإبراهيم شمس الدين وبقية القادة والضباط الكبار، واستقر رأيهم أن أسافر الى دولة تشاد المجاورة واختفي فيها عن الأنظار نهائياً في هذه الفترة بالذات، حفاظاً على حياتي، سيما ونحن لنا معارف وأهل هناك وهي بعيدة عن السودان والوصول اليها ميسور والدخول اليها سهل وفيها اكون في أمان وبعيداً عن أيدي نظام الإنقاذ وأعين أجهزته الأمنية!
واتصل والدي وأخي عمر بالدكتور الحاج آدم يوسف والي ولاية جنوب دارفور الأسبق؛ والقيادي في حزب المؤتمر الشعبي المعارض آنذاك بزعامة الدكتور حسن عبد الله الترابي، وسبب اتصال أهلي بالدكتور الحاج آدم يوسف ، أنه تربطنا به علاقة قرابة وكلنا من منطقة عِد الفرسان بولاية جنوب دارفور، كما أن الأسرة أرادت أن تخبره بمخاوفها وهواجسها من أن يصيبني مكروهٌ أو تتم تصفيتي من قبل الحكومة سيما بعد حديث قائدي المباشر بالوحدة, فعسى أن يجد لي مخرجاً سيما فكرة سفري الى دولة تشاد!
وبالفعل تحدثت إلى الدكتور الحاج آدم يوسف بالتلفون، فطلب منا أن نحضر أنا ووالدي وعمي وأخي الى مقابلته في منزله بمنطقة الأزهري بالخرطوم والالتقاء به والحديث إليه مُباشرةً!
وبالفعل ذهبنا إلى منزله صبيحة اليوم التالي, فرحب بنا ترحبياً شديداً، ثم سردت له كل تفاصيل حادثة تحطُّم الطائرة ومقتل العقيد إبراهيم شمس الدين وبقية القادة، وأخبره والدي عن فكرتهم بأن أسافر الى دولة تشاد المجاورة وإبعادي عن السودان حفاظاً على حياتي، وبعد أن استمع إلينا، طمأننا الدكتور الحاج آدم يوسف ووعدنا بأن يحصل كل خير، ثم اقترح علينا أن نلتقي بالدكتور حسن عبد الله الترابي، الأمين العام للمؤتمر الشعبي ونذهب إليه في منزله بالمنشية بالخرطوم اليوم وأحكي له مباشرة كل هذه التفاصيل بما في ذلك حديث وتوجيهات قائدي المباشر!
واقترح علينا الدكتور الحاج آدم يوسف لقاء الترابي والجلوس إليه باعتباره هو عراب النظام، والذين يحكمون السودان ويجلسون على كراسي السلطة هم أبناؤه ولولاه لما وصلوا إليها؛ رغم أنهم بعد ذلك خرجوا عن طوعه وعارضوه وزجّوا به في السجن, وهو يعرف كل ألاعيبهم وخُططهم ويمكن أن يجد لي مخرجاً من هذه المشكلة، فوافقنا على حديثه, وقال لي إذن سوف نذهب اليوم ليلاً إلى منزل الدكتور حسن عبد الله الترابي بالمنشية في الخرطوم!
وبالفعل خرجنا من منزل الدكتور الحاج آدم يوسف بعد صلاة المغرب مُباشرةً وتوجهنا بعربة بوكس “دبل قبين” كبيرة إلى منزل الترابي بضاحية المنشية, ووصلنا تقريباً بعد ساعة ونصف، ودخلنا إلى ديوان الترابي الكبير مباشرةً، واستقبلنا بعض قيادات المؤتمر الشعبي وبعض الشباب , وبعد أن جلسنا جاءنا الترابي بعد ربع ساعة, وحيّانا بحرارةٍ وأريحيةٍ, ومن ثم قام الحاج آدم يوسف بتقديمنا له وتعريفنا به أنا وأبي وعمي وأخي الأكبر عمر، وعرّفنا كذلك بالآخرين الذين كانوا موجودين في الجلسة منهم محمد الأمين خليفة وعبد الله حسن أحمد والدكتور بشير آدم رحمة وبعض الشباب الآخرين لم يعرّفنا بهم، ومن ثم طلب مني الدكتور الحاج آدم يوسف أن أحكي للترابي كل تفاصيل الحادثة من البداية حتى النهاية بدقة, وقال لي إن الترابي سوف يوجّه إليّ بعض الأسئلة بعد ذلك!
ونواصل في الحلقة القادمة،،،