الخرطوم- رشا التوم
تعتبر صناعة الأسمنت من الصناعات الاستراتيجية المولدة لصناعات أخرى وفي الغالب لا يختلف اثنان على أهمية قطاع الاسمنت ومساهمته في انتشار العمران الحضري وترقية البيئة.
وصناعة الأسمنت من الصناعات الأولى التي نالت قصب السبق في خارطة الصناعة السودانية.
ولكن تواجه مصانع الاسمنت القائمة في البلاد واقعا مظلماً يكتنف مستقبلها في ظل التعقيدات الاقتصادية العامة للبلاد
وفعلياً هنالك مصانع توقفت عن العمل جراء المشكلات في توفير مدخلات الإنتاج والفحم المستورد والرسوم والضرائب المتعددة.
وأخرى في طريقها لنفس النهايات ما لم تلتفت الحكومة الى المشكلات التي تعترض طريق هذا القطاع المهم.
وأكد نائب الرئيس التنفيذي لشركة اسمنت عطبرة إحسان عبد الجبار مهدي لـ (الصيحة) أن مصانع الاسمنت تواجه مشكلات تتمثل في صعوبة الحصول على العملة الصعبة لعملية استيراد المدخلات من الخارج بجانب آثار التضخم وعدم توفر الطاقة والكهرباء.
وقال إن أكبر المشكلات التي تهدد المصانع مشكلة الفحم المستورد ويمثل 40% من مدخلات الإنتاج والذي تم منع استيراده من الخارج لأسباب بيئية.
وتخوف من نفاد الفحم المستورد للمصنع البالغ 60 ألف طن قبل جائحة كورونا والتي سوف تتسبب في التوقف كلياً عن العمل بالمصنع.
وأشار إلى أن العمل سوف يتوقف بمصنع اسمنت عطبرة خلال شهر أو شهرين لعدم توفر الفحم وكشف عن صعوبات تواجههم في ميناء بورتسودان لاستيراد الفحم.
مؤكداً مخاطبة الجهات المختصة وبعث رسالة الى وزير النقل لإيجاد حلول لمشكلة الفحم المستورد بجانب مخاطبة وزير الطاقة بشأن مشكلة الكهرباء التي تمثل 90% من الإنتاج، وأعرب عن أسفه ل لعدم حل المشكلات التي تواجههم منوهًا الى محاولة لمقابلة الوالي ومدير عام الميناء، ولكن دون جدوى، وأضاف: مازلنا ندور في حلقة مفرغة رغما عن الالتزام بسداد كافة الرسوم والضرائب المفروضة.
وانتقد دخول الاسمنت المصري إلى السودان والذي يكلف الدولة عملة صعبة يتم تحويلها الى مصر، والسودان يملك 4 مصانع للاسمنت كافية لسد حاجة السوق المحلي، مبينًا أن الطاقة الإنتاجية لمصنع اسمنت عطبرة 6 آلاف طن تراجعت الى 2500 طن في اليوم.
وقال: نحن نتفهم المشكلات التي تواجهها حكومة الفترة الانتقالية بيد أننا نواجه مشكلات أخرى تتعلق بالانفلات الأمني وعدم توفر الوقود وتدخلات الأهالي وارتفاع مدخلات الإنتاج، مشيرًا إلى مضاعفة أجور العمالة من 10 آلاف الى 60 ألفاً وسداد كافة الرسوم والضرائب بواقع 17% والجمارك 5% والولاية 10% بجانب ضريبة أرباح الأعمال.
وأكد أن سعر الطن من المصنع بواقع 59 ألف جنيه متضمنة كافة الضرائب المفروضة البالغة 17 ألف جنيه.
مشيرًا إلى تخصيص مبالغ مالية ضمن المسؤولية الاجتماعية للشركة من أجل دعم المجتمعات المحلية، مضيفاً أن كل دول اوروبا تقوم باستيراد الفحم لتشغيل مصانع الاسمنت والسودان ليس استثناء.
هذا واقع الحال لمصنع اسمنت عطبرة، وفي المقابل يواجه مصنع اسمنت بربر ذات المصير، فأمس الأول تم إغلاق الطرق المؤدية الى المصنع من قبل أهالي المنطقة إثر خلاف اندلع بين الأهالي وإدارة المصنع مما دعا وزير الصناعة إبراهيم الشيخ للقاء إدارة المصنع، وبدوره وعد ببذل الجهود لإعادة تشغيل المصنع وفتح الطريق المؤدي إليه بالتنسيق مع والي الولاية.
وأكد الشيخ أن الحكومة تبذل جهودا كبيرة لجذب الاستثمارات الخارجية خاصة فيما يتعلق بالقوانين منها قانون الاستثمار والشراكة ما بين القطاع العام والخاص.
وقال إن السياسات الاقتصادية التي صدرت مؤخراً استهدفت بشكل أساسي تهيئة المناخ لجذب الاستثمارات.
من ناحيته قال الخبير الاقتصادي د. محمد الناير في حديثه لـ(الصيحة)، إن مصانع الاسمنت التي أنشئت في البلاد تبلغ طاقتها التصميمية حوالي 6 مليون طن في العام والاستهلاك المحلي حوالي 3 مليون طن.
وأردف: هناك 3 مليون طن فائض كان يمكن تصديرها الى الخارج وبصورة خاصة لدولة جنوب السودان بوصفها دولة ناشئة تحتاج الى بنى تحتية وعدد من الدول الأخرى لتوفير ما قيمته 500 مليون دولار تعود الى الخزينة العامة أو عائد صادر.
وأبدى أسفه ان بيئة الاستثمار في السودان أصبحت معقدة وبها مشكلات كثيرة جدًا.
وقال: عند بداية العمل في مصانع الاسمنت كان هناك اتفاق مع الحكومة على وضع معين للفيرنس واستجلابه وفقاً لتكلفة محددة.
وانتفى الاتفاق عقب التحرير الكامل للمحروقات والفيرنس مما أدى الى ارتفاع تكلفة الإنتاج بصورة كبيرة.
مشيرًا إلى توفر الخام في البلاد وهو من أجود الأنواع عالميًا ولكن تكمن المشكلة في تكلفة الإنتاج.
وأقر بأن الصناعة السودانية تواجه إهمالاً كبيرا من قبل الدولة وتواجه تعقيدات كبيرة مما أقعدها عن المنافسة حتى على مستوى مصر التي تعتبر فيها تكلفة الإنتاج قليلة والدولة تدعم القطاع الصناعي وتهيئ البيئة للقطاع الصناعي عكس ما هو موجود حالياً في السودان.
وأضاف أن المصانع تنتج بتكلفة عالية جداً بعد القرارات الأخيرة سواء كان توحيد سعر الصرف ورفع الدولار الجمركي لأعلى مستوى وتحرير أسعار المحروقات، بيد أن كل هذه الأشياء أثرت سلباً على القطاع الصناعي، وأضافت مشكلات أخرى غير الرسوم والضرئب والجبايات غير القانونية بجانب التقاطعات ما بين المركز والولايات والمحليات وكل هذ تعقيدات تشكل عبئاً على الصناعة وتؤدي الى تعطيل عجلة الإنتاج، وبالتأكيد الآن الإنتاج الزراعي أيضًا يعاني من ارتفاع تكاليف الإنتاج، وبالتالي نحن حذرنا منذ فترة بأن كل ما نخشاه أن تتوقف عجلة الإنتاج تماماً بسبب السياسات التي اتخذتها الدولة إرضاء لصندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي وجاءت خصًما على المواطن السوداني والاقتصاد الوطني والقطاع الإنتاجي سواء كان صناعياً أو زراعياً، وناشد الدولة أن تعمل على معالجة الخلل قبل فوات الآوان والعمل على تسهيل إمكانية تحريك القطاع الصناعي بصورة عامة وصناعة الاسمنت على وجه الخصوص حتى تبلغ طاقاتها القصوى وتصبح تكلفة الإنتاج معقولة ولكي يستطيع الإنتاج المحلي المنافسة داخلياً من خلال تحقيق الاكتفاء الذاتي للسوق السوداني وخارجياً من خلال التصدير للدول التي تحتاج للاسمنت.