وعفواً للكلمة..
ولكن هذه هي الحقيقة بكل ما فيها من صدمة… وألم… وحسرة..
وأعني إعلام الثورة..
أو – على نحوٍ أكثر تحديداً – إعلام حكومة حمدوك؛ وما وراءها من حواضن..
فهو إعلام تقليدي… غير مواكب..
لا يواكب روح الثورة… ولا روح العصر… ولا روح الحداثة السيكولوجية..
بل هو أشد تقليدية – وتخلفاً – من إعلام الإنقاذ..
فعلى الأقل إعلام النظام البائد كان يفتح المجال – بذكاء – للآراء المعارضة..
والذكاء هنا كيلا يُقال إنه إعلام الحزب الواحد..
وبذكاء مقابل – أو أحدّ – كان بعض المعارضين يقبلون الهدية لتمرير رسالتهم..
فالمهم أن تصل رسالتك هذه للناس ولو من على منبر الشيطان..
ولكن إعلام فترتنا هذه فهو إعلام الجهة الواحدة… الرسالة الواحدة… الصفقة الواحدة..
تماماً كصفقة أفراد الكورس خلف المغني..
وهذا النوع من الإعلام هو الإعلام الدعائي – الكلاسيكي – الذي عفا عليه الدهر..
الإعلام الغوبلزوي؛ نسبة إلى وزير إعلام هتلر غوبلز..
الإعلام الصحَّافي (الصحاف)… الهيكلي (هيكل)… الساقوي (أبو ساق)..
فهذا إعلام يناسب أيام كانت الشاشات (أبيض وأسود)..
وكذلك تقييم الناس للأمور زمان؛ إما أبيض… وإما أسود… ولا مكان لما بينهما..
ثم هنالك إعلام الوعظ..
الإعلام التوعوي المباشر؛ وهو أغبى أنماط الإعلام في زماننا هذا..
فحتى المساجد لم يعد مقبولاً فيها مثل هذا الإعلام..
لم يعد مقبولاً أن يعتلي منابرها من يخاطبك بنهج العثمانيين..
فالإعلام الذكي – المعاصر – هو الذي يحترم ذكاءك عند تبليغك رسالته..
هو الذي لا يعتمد أساوب المباشرة السمجة..
هو الذي يأخذك حتى نهره؛ ولكنه لا يفرض عليك أن تشرب منه..
هو الذي لا يُشعرك بأنه يقودك من يده كما يقاد الأعمى..
ولكن إعلام ثورتنا يفعل ذلكم كله الآن..
بل ويفعله عبر واعظين كثر؛ كلهم يعزفون اللحن ذاته… في إيقاعٍ رتيب..
فتجد في البرنامج الواحد أكثر من ضيف..
ثم جميعهم يقولون الشيء ذاته… أو المعنى ذاته… أو يسعون نحو الهدف ذاته..
وكمثال على ذلك برنامج البناء الوطني بشاشتنا القومية..
وهنالك – أيضاً – الإعلام المتماشي… أو المتماهي… أو المساير..
وهو الذي يجتهد – حسب ظنه – في إرضاء توجهات حكام المرحلة..
ليس في المنطوق من رسالته وحسب..
وإنما حتى في المرئي – أو المشاهد – منها؛ والأنثى هنا هي المطية..
فإن كان التوجه الرسمي يمينياً فُرض عليها الحجاب..
كما فُرض على المذيعات أيام المعزول؛ وإلا فلا مكان لهن أمام الكاميرا..
أما إن كان ليبرالياً فُرض عليهن الكشف..
كشف الشعور… والنحور… والصدور؛ كما نرى على شاشاتنا هذه الأيام..
حتى وإن كان العقل الجمعي – المجتمعي – يرفض ذلك..
ولا نتحدث هنا عن الدين… ولا باسم الدين… ولا من منطلق الدين..
وذلك كيلا نُتهم بالكوزنة… في سياق دفاعٍ كسول..
وإنما للمجتمع – أي مجتمع – عاداته… وتقاليده… وأعرافه… وثقافاته..
ثم نختم بشيء مهمٍ جداً..
وهو أن الحرية – كما يُفترض الآن – لا تعرف شيئاً اسمه وزارة الإعلام أصلاً..
فهي التي توجه أذرعها الإعلامية..
هي التي تفرض عليها أن تتبع أحد أشكال الإعلام التقليدي الذي نتحدث عنه..
هي التي ترفع في وجوهها العصا؛ كما الألفة في الفصل..
وذلك إن حاد أحدها عما يُرضيها..
وما يُرضيها هو ما يُرضي – بالضرورة – الذين يختارون وزيرها؛ فوكيلها..
أو كما قال شاعر الحقيبة قديماً:
يُرضيني ما يُرضيك… والناس أمورها أمور..
فمثل هذا الإعلام لا يختلف عن إعلام أنظمة التوجه الأُحادي في كل مكان وزمان..
هو مثل إعلام البشير… ونميري… وناصر… وصدام..
هو إعلامٌ متخلف… ورجعي… ومنفِّر..
وغبــــي!!.