عليَّ أنا؟..
أنا… وأنت… وهو… وهي..
على المواطن المسكين الذي لم يعد يدري (يلقاها من مين ولاَّ مِن مين؟)..
هكذا يقول بطريقة عادل إمام (كلكم عليّا؟)..
فالزمن بات صعباً… والانهيار ضرب كل شيء… والخسارة باتت هي العنوان..
ولكن من بيده (كرتٌ) يستغله لتفادي الخسارة هذه فهو يفعل..
وتقع المُصيبة على رأس المواطن… وجيبه..
فكل مُحاولات تفادي الخسارة يروح ضحيتها هو… فلاح أحد يخسر سواه..
فالتاجر يضغط عليه كيلا يخسر..
والسمسار… والجزار… والخُضرجي… وصاحب الحافلة… وحتى بائعة الشاي..
كلهم (يعوضون) على حساب المواطن..
بل حتى الحكومة نفسها تزاحم هؤلاء ضغطاً على المُواطن المضغوط أصلاً..
فترفع دعماً… بعد دعمٍ… إثر دعم..
وتهجم على جيب المواطن لتستخلص منه ما يعينها على تسيير أمورها..
بما فيها أمور أفرادها أنفسهم..
حتى وإن كانت أموراً كمالية – لا ضرورة لها – كأمر الفارهات الإضافية..
أو أمر نثريات… ومُحاصصات… وسفريات..
لا أحدٌ من بيده الكرت المتوحش – الأناني – هذا (يجي على نفسه) أبداً..
بما أن هنالك ضحية مغلوبة على أمرها..
فالمواطن لا خيار له سوى أن يسد العجز من حر مال فقره العدمي..
فكم مرة زيدت عليه أسعار الكهرباء؟..
وكم مرة تلقى رسالة من شركة اتصالات تنذرك بمُضاعفة التعرفة؟..
وكم مرة طالبه الجزار بأن يدفع أكثر؟..
وكم مرة فاجأه تاجره بأسعار تتحرّك كما رمال الربع الخالي؟..
وكم مرة صدمته الحكومة برفعٍ جديد للدعم؟..
كم مرة يحدث له أيٌّ من ذلك – يومياً – في الفترة (الانتقامية) هذه؟..
وهنا قد ينتبه – المواطن – لشيء مهم… وغريب… وعجيب..
وهو أن النظام الذي انقلب عليه كان أكثر رأفةً به من الذي جاء بعده..
أو إن لم تكن رأفة فهي خوف منه..
فهو كان يخشى أن يضغط عليه – أكثر من اللازم – كيلا ينفجر في وجهه..
فكان يتردّد في رفع الدعم..
ويتردّد في إنفاذ برنامج الصدمة الذي تبنّاه رئيس وزرائه معتز موسى..
ويتردّد في تعكير مزاجه بقُطُوعاتٍ كهربائيّةٍ..
حتى وإن كانت – القُطُوعات هذه – بدواعي صيانة طارئة… أو دورية..
هذه هي الحقيقة؛ أحببناها… أم كرهناها..
أما الحكومة التي أتت على أكتاف الثورة هذه فقد تنكّرت له..
تنكّرت للثورة… وللثُّوّار… وللشهداء..
وأضحت حكومة انتقاميّة… بكل ما في الكلمة من قبيح المعاني..
لا تُراعي لأيِّ شيءٍ… ولا لأيِّ أحدٍ..
وبالمُقابل، ولغ أفرادها في مالٍ للدولة حرموا منه الشعب… بشتى السُّبُل..
وفق القانون كانت – السُّبُل هذه – أم تحته… أم فوقه..
أم حتى في عينه… و(جُوّة) عينه ذاته..
وكأنّهم أُوتوا موثقاً من التاريخ بأن لا مكروه يصيبهم… ويعكر عليهم صفوهم..
لا غضب شعبٍ… ولا ثورة ثُوّار… ولا لعنة شهداء..
ومن ثَمّ فقد تعاهدوا – بلسان الحال – على أن يكونوا (كلهم على الشعب)..
وعلى أن يغضوا الطرف عمّن يحذون حذوهم..
سواءً من التجار… أو الجزّارين… أو السّماسرة… أو أصحاب الحافلات..
أو شركات الاتّصال… سيما أشدهم جشعاً (زين)..
فهل نُخطئ حين نصف الفترة هذه بأنّها الأسوأ في تاريخ السودان الحديث؟..
حين نصفها بالانتقاميّة؟… لا الانتقاليّة؟..
ثُمّ هل نُخطئ حين نجعل عُنواننا أعلاه هو عنوان فترتنا البئيسة هذه؟..
كُلكم عليَّا؟!.