تقرير: محجوب عثمان
في إطار سعيها لبسط سيطرتها على الأراضي الزراعية عملت الولاية الشمالية وعبر مفوضية الاستثمار بالولاية على مراجعة تصاديق المشروعات الزراعية التي تمت خلال فترة العهد البائد ومتابعة مدى تنفيذ المشاريع المصدقة ودخولها دائرة الإنتاج خاصة المشاريع التي تشغل مساحات واسعة من أرض الولاية.. ووفقًا لنصوص قانون تنظيم وتشجيع الاستثمار بالولاية واستناداً على مرسوم ولائي صادر من والي الولاية البروفيسور آمال محمد عز الدين وبناء على التقارير الدورية حول موقف تنفيذ المشاريع الاستثمارية بالولاية الشمالية، فقد تم نزع الكثير من المشروعات خاصة وأن قانون الاستثمار يعطي الحق في نزع الأرض حال عدم استصلاحها خلال 3 سنوات، وكان آخر قرارات مفوض مفوضية الاستثمار بالولاية الشمالية المهندس بشرى الطيب، الخميس قبل الماضي قرارًا بإلغاء ترخيص وميزات وتسهيلات لعدد من المشاريع ضمنها مشروع باسم مملكة البحرين بمحلية الدبة وآخر باسم مشروع آل نهيان بمحلية القولد، ولكن بيدو أن نزع مشروع مملكة البحرين قد فجر أزمة دبلوماسية تدخلت وزارة الخارجية لمعالجتها ما خلق أزمة داخلية بين الولاية والمركز.
التزام قانوني
مفوض الاستثمار بالولاية الشمالية بشرى الطيب، أشار إلى أنه التزم نصوص القانون واستند على مرسوم ولائي مشيراً إلى أن الأرض ذات مساحات كبيرة إذ تبلغ مساحة مشروع آل نهيان 70 ألف فدان بينما تبلغ مساحة مشروع مملكة البحرين مائة ألف فدان في أراض زراعية منبسطة صالحة للزراعة، ولفت إلى أنهم قاموا من قبل بنزع عدد من المشروعات لمخالفتها نصوص القانون وأن المفوضية ماضية في استرداد أي أرض غير مستثمرة لحكومة السودان والولاية الشمالية.
مسوغات نزع المشروع
مسوغات نزع المشروع وضحها مفوض مفوضية الاستثمار في الولاية الشمالية بشرى الطيب في حديثه لـ(الصيحة)، مبينًا أن المشروع تم منحه لحكومة البحرين في يونيو من العام 2013 وتم منح الأرض مجاناً وتم التوقيع على اتفاقية تنص على بداية تنفيذ المشروع خلال 3 أشهر من توقيع الاتفاق على أن يدخل الاستثمار الفعلي خلال عام وأن يتم استزراع كل المساحة الممنوحة خلال 5 أعوام، ولكن ومنذ العام 2013 تم تتم أى خطوة وظلت الأرض كما هي دون أن يكون هناك أي اتجاه لبداية العمل فيها حتى، مشيراً إلى أنه ووفقًا للقانون شرع عند تسلمه مهامه في فبراير الماضي في مراجعة المشروعات الكبيرة وفق لوائح الاستثمار الاتحادية وقانون الاستثمار الولائي، وأكد أنه وبشأن هذا المشروع تحديدًا بدأ اتصالات مع وزير الاستثمار الاتحادي كون أن الأمر مرتبط باتفاقية دولية واستند على توجيه صدر من رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك بمراجعة المشروعات الكبيرة في الولاية الشمالية، موضحاً أنه قام بزيارة للمشروع وبعدها استند على المادة 57 من قانون الاستثمار لسنة 2019 والمادة 34 من قانون الاستثمار للولاية الشمالية 2014 وقرار مجلس الوزراء رقم 3 لسنة 3021م وأصدر قرار النزع.
أزمة دبلوماسية
يبدو أن قرار النزع قد فجر أزمة دبلوماسية بين المنامة والبحرين فقد كشفت وزارة الخارجية في الخرطوم أمس الأول عن تدخلها لـ”مراجعة” سلطات الولاية الشمالية حول قرار إلغاء تخصيص المساحة الزراعية المخصصة لمملكة البحرين “مشروع خيرات البحرين” والتي جاءت في إطار متابعة مشاريع الاستثمار الزراعي التي لم يتم استثمارها أو استغلالها في الولاية، حتى تم إلغاء القرار من منطلق العلاقات المتميزة مع مملكة البحرين الشقيقة، مشيرة إلى أن حكومة الفترة الانتقالية تعطي الأولوية القصوى لمشروعات الأمن الغذائي العربي والتكامل الاقتصادي مع مملكة البحرين بشكل خاص.
تبرير
وربما استشعرت وزارة الخارجية خطورة نزع مشروع بهذه المساحة، فقد أكد وزير الخارجية الدكتور الزياني أن الجهات المختصة في مملكة البحرين، ممثلة بشركة ممتلكات البحرين القابضة “ممتلكات” بصدد الانتهاء من إعداد دراسة استراتيجية شاملة تشمل مشروع “خيرات البحرين”، بما يتفق مع أهداف الشركة ورؤيتها الاستثمارية، ولما من شأنه تعزيز الأمن الغذائي لمملكة البحرين ضمن توجهات الحكومة الموقرة، معربًا عن تطلع المملكة لمزيد من التعاون الثنائي بين البلدين وتنفيذ مشروعات استثمارية تعود بالخير والنفع على الشعبين.
جدل حول تدخل الخارجية
تدخل وزارة الخارجية لإلغاء قرار أصدرته الولاية الشمالية بموجب القانون أثار كثيرًا من الجدل خاصة وأن التدخل جاء لصالح مملكة البحرين وأهمل نزع مشروع إماراتي مماثل باسم آل نهيان تم نزعه في ذات التوقيت، وأشار مراقبون إلى أن وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي ربما شعرت بالإحراج من واقع زيارتها الأخيرة لمملكة البحرين سيما وأن الوزارة عبرت في بيانها المقتضب أمس عن اهتمامها العظيم بتعزيز العلاقات المتينة مع مملكة البحرين، مؤكدة بذل كل ما من شأنه تعزيز التعاون المشترك تلبية لطموحات وتطلعات قيادة وشعبي البلدين، بيد أن آخرين أشاروا إلى مدى قانونية تدخل وزيرة الخارجية لإلغاء قرار ولائي دون أن يكون هناك تنسيق مع وزارة الحكم الاتحادي المعنية بالعلاقة بين المركز والولايات فيما يتعلق بمستويات الحكم.
تجاوب
ويبدو أن فتيل الأزمة الدبلوماسية الوليدة قد نزع سريعاً بعد تدخل وزارة الخاريجة، فقد سارعت وزارة الخارجية بمملكة البحرين لتعرب عن تقديرها لقرار الحكومة الذي ألغت بموجبه نزع مشروع “خيرات البحرين”، وأكد وزير الخارجية البحريني الدكتورعبد اللطيف بن راشد الزياني “تقدير مملكة البحرين لقرار الحكومة الانتقالية لجمهورية السودان الشقيقة بإلغاء القرار المتعلق بوقف ترخيص مشروع (خيرات البحرين) بمحلية الدبة”، مؤكدًا أن هذا القرار يعكس عمق علاقات الأخوة الوثيقة التي تربط بين البلدين، بيد أن البيان كشف عن أن التدخل لإلغاء القرار تم من وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي، تعزيزًا للعلاقات المتميزة التي تربط بين البلدين الشقيقين.
لا تراجع
وإن كانت وزيرة الخارجية مريم المهدي قد زفت لرصيفها البحريني بشرى إلغاء القرار إلا إن المهندس بشرى الطيب قطع في حديثه لـ(الصيحة) بأن قرار النزع لم ولن يتم التراجع عنه إلا بموجب خطوات قانونية، مشيراً إلى أن القرار حوى فقرة أعطت صاحب المشروع حق استئناف القرار لوالي الولاية خلال شهر وستحوله الوالي إلى لجنة مشكلة أصلاً وعندها حال تقدموا بدفوعات اقتنعت بها اللجنة وحددوا مواعيد لبداية العمل في المشروع يمكن لوالي الولاية أن تلغي القرار، وقال “ما أؤكده أن القرار لم يتم إلغاؤه ولا يمكن إلغاؤه إلا عن طريق تقديم استئناف للوالي”.
تدخل محمود
ورغم أن كثيرين انتقدوا تدخل وزيرة الخارجية إلا أن الخبير الدبلوماسي السفير حسن بشير توقع في حديث لـ(الصيحة) أن يكون تحرك مريم الصادق المهدي جاء وفق اتصالات تمت بين المنامة والخرطوم، مبينًا أن وزارة الخارجية دائماً هي المسئولة عن العلاقات بين السودان وبقية الدول، لذا فإن مدخل مملكة البحرين لابد أن يكون عبر وزارة الخارجية، لافتاً إلى أن وزارة الخارجية والمستوى الاتحادي عموماً يرى أفضل من المستوى المحلي كونه يجلس في الأعلى وينظر لمصلحة البلاد بصورة إجمالية ما يجعله أعلى من المستوى الولائي، ويحق له مراجعة القرارات الولائية. وقال “يبدو أن وزير الخارجية اهتمت بالأمر بعد اتصالات تمت بينها والبحرين أوضحوا لها فيها أسباب تأخير بداية تنفيذ المشروع وهي من واقع حرصها على العلاقة بين السودان والبحرين تدخلت لإلغاء القرار”.
حاجة للمراجعة
ولفت الخبير الدبلوماسي السفير حسن بشير خلال حديثه لـ(الصيحة) إلى أهمية مراجعة جميع الاتفاقات التي تم بموجبها منح أراض لدول أخرى للاستثمار، مبينًا أن شروط الاستثمار يجب أن تطبق وأن تكون مقرونة بأزمان محددة على أن يحقق المشروع الفائدة للسودان أولًا وأن تلتزم تلك الدول بتشغيل العمالة السودانية وأن تكون الصورة واضحة أمام الولايات التي تقام فيها المشروعات.