“المظاهر في بلادنا هي مُشاركتنا المحلية في زيادة أسباب الاحتباس الحراري، ومُساهمتنا السُّودانية في تآكل المزيد من طبقة الأوزون”.. الكاتبة..!
هنالك “جاثوم” يطبق على صدر الطبقة المتوسطة في بلادنا اسمه “المظهر الاجتماعي”، وهو تصور مُشفق لما يجب أن تكون عليه صورتك الذهنية في العقل الجمعي لدائرتك الاجتماعية. وبينما لا تؤثر النكسات الاقتصادية المتلاحقة في بلادك على “اللايف ستايل” الخاص بالأثرياء والموسرين الذين ينفقون عليه بسخاء و”غبينة” من لا يخشى الفقر، وبينما لا تؤثر ذات المتغيرات على “نمط المعيش” الخاص بالفقراء والمساكين الذين يتمتعون بسرعة بديهة – يحسدون عليها – لمواجهة عجز الميزانية، ومقدرات فذة على ابتكار أسباب الرزق الحلال بعيداً عن حسابات “البرستيج” – بينما يحدث هذا على طرفي الهرم الطبقي – تتقلب أنت يا ساكن المنطقة الوسطى بين صنوف المعاناة وألوان العوز، متأثراً، متعثراً، متعسراً، بين لا مبالاة الأثرياء المثيرة للدهشة، وواقعية الفقراء الباعثة على التقدير..!
جارك الثري، على الجانب الآخر من حائطك الطبقي، “يقدل فوق عديله” فيحفل بالمظاهر وينتهج “الشو أب”، وجارك الفقير، خلف حدود حائطه الطبقي، يعمل بنّاءً بالأجرة في أوقات فراغه، وتبيع زوجته آيس كريم “العرديب والكركدى” على بوابات المدارس، ويشتغل ابنه صبي ميكانيكي في إجازاته المدرسية، وترضى ابنته بحفل متواضع في حوش المنزل، قوام ضيافته الفول والتمر وبعض الفشار، ثم تزف إلى عريسها – الذي يعزز صنع يمينه وعرق جبينه أصالة انتمائه إلى ذات الطبقة – راضيةً مرضية..!
بينما تمعن في الدلال ابنتك المخطوبة – التي ربيتها أنت على أن تخرج إلى المجتمع بمظهر يفوق قدرات أسرتها المادية، من المدرسة الخاصة التي قصمت ظهرك، إلى الجامعة الخاصة التي تجهز على مدخراتك، ثم تزف إلى عريسها وهي تمشي على فواتير ديونك..!
وبينما يضرب ابنك الخريج العاطل عن العمل إلا بعد أن تنطبق شروط طبقته الاجتماعية على أية فرصة واقعية لمصدر دخل قد يليق وقد لا يليق وإن كان حلالاً زلالاً، وبينما تصر زوجتك على مظاهر البذخ في “فطور العريس” وتجتهد أنت في إضفاء مظاهر الترف على عشاء الحفل، ثم ترثان هَمّ الدَّيْن معاً..!
صحيح أنك مواطن شريف ظل يترفع عن فساد معظم الأثرياء، لكنك أيضاً تحصد اليوم خيبات ضيق أفقك وخوفك من استثمار مدخراتك – كما يفعل الأثرياء – ثم تعود لتنفق أضعافها على المظاهر والكماليات، بخراقة من لا يملك على ما لا يستحق. وصحيح أنك مواطن طموح لا يخشى أن ينفق معظم دخله على تعليم الأبناء، كما يفعل معظم الفقراء، لكنك أيضاً تحاكي الأغنياء في الإنفاق على المتطلبات الباهظة التي تفرضها مكانتك الأكاديمية، من امتلاك الأجهزة الذكية، إلى شراء آخر موديلات السيارات بالأقساط، إلى السياحة الرمضانية والموسمية في دول الجوار..!
وبينما ينام الثري آمناً مطمئناً إلى أرصدته في البنوك، وبينما ينام الفقير آمناً مطمئناً لخلو طرفه من أي دَيْنٍ، تتقلّب أنت على جمر الهواجس، تقلق الأقساط منامك، وتثقل الديون كاهلك، ثم يعصف بأمانك غلاء الأسعار الذي لن يقنعك تفاقمه المستمر بالتنازل عن بعض متطلبات مظهرك الاجتماعي، ثم يقض مضجعك ارتفاع الدولار لكنك لا تُسارع إلى تخفيض النفقات، ولا تتخلى عن اقتناء الكماليات..!
يحدث هذا لأنك – ببساطة – لا ولن تخرج على أبناء طبقتك الأدعياء بمظهر يقل ادّعاءً عن جملة ادّعاءاتهم، ولسوف تدركك هواجس التقاعد وأنت تنازع عجز الميزانية وتصارع تراكم الديون، لكنك لن تستلم أبداً، ولسوف تمضي في الالتزام بتلك الصفقة الأبدية مع ذلك “النمط المعيش”..!
هل عرفت الآن – يا ساكن المنطقة الوسطى – لماذا يزعم هذا المقال بأنك أكثر المُتأثِّرين بالأزمات الاقتصادية تعاسةً، وتضرُّراً، وحشفاً وسُوء كيلة؟. لأنك تبيع صحتك، وعافيتك، وراحة بالك، لتشتري مظهرك الاجتماعي..!
مُنى أبو زيد
munaabuzaid2@gmail.com