سراج الدين مصطفى يكتب.. مسامرات الجمعة الجامعة والدعوة السامعة
(عادل مسلم.. العودة الحلوة):
كلنا يعلم ويدرك تمام الإدراك أن فن الغناء تحديداً ليس مجرد تسلية فقط ولا وسيلة سهلة وفي متناول اليد لقضاء أوقات الفراغ أو هو فكرية عبثية، بل في واقع الأمر هو رسالة هادفة، رسالة يشترك فيها الكثير بغية إيصالها، بدءاً بصاحب فكرة العمل الغنائي، فكاتب النص الشعري أو الكلمات، ثم الملحن، وربما الحلقة الأهم في هذه الدائرة في اعتقادي هو المغني، ذلك دون انتقاص للآخرين المشاركين في صناعة الإبداع الغنائي، وذلك لسبب بسيط، وهو أن المتلقي.. أي المقصود بالرسالة.. لن يظل في ذهنه سوى صورة المغني، ومنه يستوحي مضمون الرسالة الغنائية.
في وسطنا الغنائي الكثير من الفنانين الموهوبين.. وضيف حلقة من أغاني وأغاني الأستاذ الفنان عادل مسلم بلا شك هو فنان صاحب مدرسة غنائية خاصة اتسمت بالجدية منذ بواكير انطلاقته في مدينة بورتسودان وبلا شك هو فنان مقتدر وهو حامل رسالة غنائية ذات طبيعة مختلفة..
عادل مسلم فنان مبدع جملته الموسيقية تنتمي للحداثة.. ألحانه ذات ثراء نغمي بديع.. أفكاره اللحنية متجاوزة لحال السائد من الألحان الدائرية والرتيبة.. يحشد للنص تصاوير جديدة من حيث القدرة على التعبير والتحلل من الأنماط اللحنية العادية.. وهو يحمل ذات الملامح السودانية القديمة من حيث الموهبة العظيمة في مجال الألحان.. فهو يعد من العباقرة في مجاله.. وهو يمكنه أن يسير على ذات الدرب الذي مشى عليه من قبل ملحنون كبار أمثال برعي محمد دفع الله وعبد اللطيف خضر ود الحاوي وعمر الشاعر.
(محمد الأمين.. ملهم الأجيال):
ما من شك أن الموسيقار الكبير محمد الأمين، يعتبر حالياً هو آخر من يصارع لأجل المحافظة على تجربته التي أثرت الوجدان السوداني وجعلته متربعاً على القمة منذ لحظة ظهوره في بداية الستينيات حتى اليوم، وهذا الحضور ما كان له أن يتحقق لولا أن الرجل جاء بطريقة غنائية ولحنية جديدة على الأذن السودانية، وريادة محمد الأمين معلومة بالضرورة ولا تحتاج للتذكير بها.
أكثر ما يميز محمد الأمين هو جديته والتزامه الصارم بتقديم ما هو غير معهود، فهو منذ أن تغنى بأغنية (وعد النوار) أصبحت تجربته الغنائية بمثابة فتح وطفرة في مسار الأغنية السودانية، وشكلت تلك الأغنية وقتها علامة فارقة وأصبحت رمزاً للتجديد باعتبار أن الألحان وقتها دائرية وتقليدية ويغلب عليها طابع ألحان الحقيبة، ولكن وعد النوار تميزت (بموتيفة) جديدة ولازمات مختلفة غيرت من النمط السائد وقتها.
بروز محمد الأمين بهذا الشكل اللافت، لأنه اكتشف قدراته الصوتية بكل أبعادها، كما أن مهارته العالية في العزف على العود جعلته أكثر قدرة في صياغة الألحان على (مقاس صوته) وليس أي صوت آخر، لذلك تجد أن ترديد أغنياته يصعب على الآخرين، وحتى من حاولوا تقليده لم يستمروا طويلاً، لأن ترديد أغنياته غير متاح للجميع، وتلك هي اللونية التي فرضها، مع أنه أصبح موسيقياً ملهماً لكل الأجيال الجديدة من الملحنين تحديداً.
(نقد البرامج التلفزيونية):
قبل أعوام مضت.. حينما كنت أمارس الصحافة الفنية بشكل أكثر وضوحاً ومداومة يومية.. كنت وقتها أنتقد البرامج التلفزيونية بلا رأفة وبلا دراية وبلا بصيرة نافذة.. الكتابة كانت على طريقة أكسح .. أمسح والفح من طرف .. كتابة بحسب مزاج اللحظة.. ولكن لاحقاً اكتشفت بأنني على خطأ عظيم.. حينما ولجت مجال العمل التلفزيوني والإنتاج البرامجي تحديداً..
عايشت عن كثب كيف تنتج البرامج حتى تصل للمشاهد.. وهي عملية شائكة ومضنية ومتعبة جداً.. ومن الظلم انتقادها دون التوقف على كيفية إنتاجها..
لذلك تجدني أكثر حرصًا على انتقاء مفرداتي وتعابيري حينما أنتقد أي برنامج تلفزيوني.. ذلك لأن بعض الكلمات العابرة التي نكتبها يكون لها أثر كبير سلباً أو إيجاباً على تيم اي برنامج تلفزيوني.. لذلك يتوجب علينا انتقاء كلماتنا بعناية فائقة وغربتلها حتي لا تكون جارحة ومؤلمة لأن ذلك ليس مهمة النقد..