الخرطوم/ مريم أبشر
تسببت الأزمة التي نشبت بين الخرطوم وأديس أبابا، على خلفية النزاع الحدودي على الجبهة الشرقية وتحديداً حول منطقة الفشقة بشقيها الكبرى والصغرى والخلاف حول سد النهضة في أن يدفع السودان بطلب إلى الأمم المتحدة لاستبدال القوات الأثيوبية المنتشرة في منطقة أبيي ضمن يعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام “يونيسفا”، لجهة أن دخول أديس في خلاف مع الخرطوم تعذر حسمه جعلها بلدًا غير محايد وغير مؤهل في أن يكون عنصراً محايداً للحفاظ على الأمن في منطقة لا يزال أمرها لم يحسم بين الدولتين الشقيقتين السودان وجنوب السودان.
دفعت الخرطوم بالطلب وفي ذهنها أن أديس ظلت هي الأقرب حكومة وشعبًا من وجدان الشعب السوداني وقضاياه السياسية والأمنية حتى وقت قريب، حيث لعبت دوراً غير منكور حصد جراءه رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد دعم وحب الشعب السوداني إبان الأزمة التي نشبت في الحكومة الانتقالية بين شقيها المدني والعسكري حول الوثيقة الدستورية، فكان دور أبي أحمد شخصياً ومن قبله مبعوثه الدائم القدح المعلا في تقريب وجهات النظر بين الأطراف وصولاً للتوافق على الوثيقة الدستورية والتوقيع عليها لتصبح الحاكم عبر بنودها للانتقال في السودان، وقد شهد العالم عبر نقل مباشر التصفيق الحار الذي حظي به رئيس الوزراء إبان شهوده التوقيع التوقيع النهائي على الوثيقة الدستورية بقاعة الصداقة.
مياه تحت الجسر
الآن وبعد ما اعترى العلاقات من خلافات، وبناء على الطلب المرفوع من حكومة السودان عبر وزارة الخارجية للأمم المتحدة فقد أعلنت الخارجية موافقة الأخيرة على طلبها الذي تقدمت به في أبريل الماضي بسحب القوات الإثيوبية من منطقة أبيي خلال ثلاثة أشهر.
وعقدت وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي اجتماعاً عبر الفيديو كونفرنس الإثتين الماضي مع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للقرن الإفريقي بارفيت أنيانقا.
وأبانت عبر بيان رسمي أن الاجتماع تطرق لتطورات الأوضاع في منطقة أبيي وقوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة في أبيي (يونيسفا) حيث تم الاتفاق على سحب المكون الإثيوبي من القوة المؤقتة الأمنية في أبيي خلال الثلاثة أشهر المقبلة بناء على الطلب المقدم من السودان.
ورحبت الوزيرة باستجابة الأمم المتحدة وتفهمها لطلب السودان القاضي باستبدال القوات الإثيوبية بقوات من دول أخرى للمساهمة في حفظ السلام في أبيي وعبرت عن أملها في استمرار تعزيز العلاقات بين جوبا والخرطوم للاستفادة من إمكانيات البلدين وتعهدت الحكومة عبر وزيرة الخارجية بتسهيل خروج سلس للقوات الإثيوبية من أبيي، واستقبال قوات أخرى من الدول المساهمة ومعلوم أن مجلس الأمن الدولي أنشأ بعثة (يونيسفا) عام 2011 لحفظ السلام في منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان وهي قوة عسكرية وشرطية تضم 3816 عنصرا من 11 دولة، غالبيتهم إثيوبيون.
طلب مبرر
طلب الحكومة سحب القوات الإثيوبية واستجابة الأمم المتحدة خلال أربعة اشهر بالموافقة ما اعتبره عدة مراقبين لتطورات الاحداث بين اديس والخرطوم بأنه حدث متوقع خاصة في ظل التردي الحاصل بين الخرطوم وأديس أبابا، ويعتقد السفير والخبير الدبلوماسى عبد الرحمن ضرار أنه من غير المستغرب أن يطلب السودان سحب القوة الاثيوبية باعتبار ان الأحداث التي وقعت بين البلدين جعلت أديس غير محايدة وليس في مقدور الامم المتحده رفض الطلب للظروف الموضوعية الحاصلة بينهما، وقال ضرار لـ(الصيحة)، صحيح أن التوتر حول سد النهضة الى حد ما بسبب تعقيدات الداخل الأثيوبي وأولويات ذلك على ما سواه، إلا أن الأجواء ما زالت ساخنه بين البلدين جراء ملف سد النهضة والخلاف الحدودي واستشهد ضرار باستجابة سابقة للأمم المتحدة عندما طلب منها الرئيس المصري سحب قواتها قبل حرب 67 واستجابت للطلب ولفت إلى أن الامم المتحدة يمكنها أن تستبدل القوة بأخرى ترى أنها الأكثر حيدة .
تعامل بالمثل
العمل الدولي دائماً يقوم على التراضي عبر قبول الدولة المستضيفة للمستضاف وعندما قبل السودان بالقوات الأثيوبية ضمن قوة حفظ السلام فى منطقة ابيى (يونسفا) كانت العلاقات بين السودان واثيوبيا علاقات جيدة للغاية كما يقول أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات د. عبد الرحمن ابوخريس لـ(الصيحة) وأضاف أن الوضع تبدل الآن وأصبحت هنالك عدم ثقة بين البلدين جراء ازمة سد النهضة والحدود الشرقية اضف الى ذلك فان اديس رفضت توسط السودان من خلال المبادرة التي طرحها رئيس الوزراء للتوسط لحل النزاع الداخلي بحجة ان السودان ليس نزيها وشكل الرفض صدمة وأضاف “كان على السودان ان يتعامل بالمثل كرد فعل دبلوماسي خاصة وإن أبيى منطقة صراع” ويضيف عبد الرحمن ان العلاقات بين الخرطوم وجوبا افضل من العلاقات بينها واديس اذ ان هنالك تقارب كبير بين الخرطوم وجوبا خاصة بعد الزيارة الاخيرة التى قام بها د. حمدوك لجنوب السودان والتوافق الكبير الذي تم في عدد من الملفات بما فيها أبيى ويعتقد ان الوجود الاثيوبي بأبيى على ضوء عدم الثقة بين الدولتين ربما يتسبب في البعث برسائل سالبة وخلق صراعات وفضلا عن ارسال تقارير امنية غير نزيهة من شانها تاجيج الصراع اكثر من الاسهام فى تسويته و يضيف ان الامم المتحدة بالطبع ستبحث عم البديل المناسب والمحايد وربما التقارب بين الخرطوم جوبا يمكن الطرفين من ايجاد تسوية عادلة تضع حدا للخلاف طالما ان الارادة توفرت في ظل تنامي العلاقات الجيدة
اسئلة مشروعة
من حق الدولة المضيفة لقوة حفظ السلام كما يرى السفير الصادق المقلي الخبير الدبلوماسي ان تبدي تحفظها على جنسية القوات سواء في بداية قرار مجلس الامن لنشر القوات او حتى أثناء ولايتها في الدولة المضيفة ويضيف في حديث لـ(الصيحة) انه لاشك ان احداث الفشقة وتعنت إثيوبيا في رفضها لسحب قواتها من داخل الحدود السودانية وهي تعرف سلفا انها اعتدت على أراضي سودانية موثقة حدودها بين البلدين منذ الاستعمار البريطاني فضلا عن خرقها لاحدى المبادئ، المقدسة لميثاق منظمة الوحدة الأفريقية وقتها في قمتها عام ١٩٦٣وهو عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار, لذلك يرى المقلي انه ليس لاثيوبيا الحق فى نكوص هذا المبدأ المقدس سيما وأنها كانت وقتها دولة مستقلة بخلاف السودان المستعمر من قبل بريطانيا ويشير الى ان رفض السودان للقوات الأممية الإثيوبية كان مجرد رد فعل ازاء موقف اثيوبيا من أحداث الفشقة ويقول بما ان الموضوع كان قبل ثلاثة أشهر.. وقد جرت الكثير من المياه تحت الجسر فان عدة تساؤلات تطرح نفسها على الساحة اولها هل كان بالإمكان ان تاخذ الحكومة السودانية في الحسبان تطور العلاقات بين البلدين والتي توجت امس كما تواتر من أنباء عن استعداد الحكومة الإثيوبية لمد السودان بالف كيلواط من الكهرباء فضلا عن اكتمال ملء سد النهضة في المرحلة الثانية دون حدوث التخوفات التي تدفع بها الحكومة السودانية في هذا الصدد اما السؤال الثاني هل هذه الخطوة بقبول طلب السودان سحب القوات الإثيوبية سوف تلقي بالمزيد من التوتر في العلاقات بين البلدين وتفاقم من تعنت إثيوبيا في موقفها من الفشقة ومن سد النهضة ثم ما هى الفائدة التى سيجنيها السودان من هذه الخطوة اى سجب القوات الإثيوبية واستبدالها فى باخرى وهل أساسًا مسألة أبيي مسألة ملحة حتى يقحم بها في ملف العلاقات الثنائية بين البلدين.