الجلابية رمزية سودانية موروثة وماركة تميز (الزول) عن باقي شعوب العالم, كانت في السابق تُهَفْهِفُ في دلال فوق أجساد الوجهاء تزيدهم هيبةً ووقاراً. كانت تعلو مراتب الهندمة والتزين بين الأزياء حتى أن اجتاحتها ثورة الحداثة فانصرف عنها المعجبون الشباب وسحبوها من رفوف دواليبهم ليركنوها في أعماق الأدراج, وفي بطون الحقائب المتحفية العتيقة! يعودون لها عند الحاجة في الحفلات التراثية والأعياد الدينية التي تستوجب الظهور بالزي الفضفاض, حتى كاد أن يهجرها (الترزية المهرة) ويرتادوا معاهد تدريس فنون خياطة البناطيل والقمصان المواكبة للعصر .
الجلابية السودانية تأبى الارتكان لعوامل الزمن فقد سحبت حزام الفوز في سباقات (تحدي الصورة) على موقع الفيس بوك فحصدت كل علامات التفاعل والإعجاب في محاولة لاستعادة سمعتها وموقعها الريادي بين الأزياء.
ورغم فوزها الكاسح على البناطيل والقمصان وغيرها من الأزياء الأجنبية المغرية في تلك المسابقة الافتراضية, لكنها قد خرجت من تلك المعارك التنافسية بجروح وثقوب أصابت جيوبها التي كانت تزدحم بالقيم الاجتماعية الرفيعة!
فتساقطت قيمٌ غالية من خلال ثقوب جيوب الجلابية التي أحدثتها مظاهر التطور والحداثة ومجاراة الموضة والثقافات الأجنبية التي تسربت خلسة بين أنسجة الجسد المجتمعي المحافظ والتي شوهت ملامحه بعد أن حوَّرت جيناته وقيدت الموروثات بإعاقة مستديمة يصعب الاستشفاء منها!.
تساقطت قيمة المروءة التي كان يحتفظ بها السوداني في جيب جلابيته الأمامي يسعف بها المنكوب وقتما استصرخ , كما تساقطت قيمة الأمانة أيضاً من ذات الثقب بعد أن انشغل الناس بجمع المال دونما اكتراث للمصادر, وغيرها كثير من القيم تساقطت حتى صار البعض منهم يراهن بسمعته بل وبالأغلى حتى ولو خالفت ونازعت معتقداته في سبيل إرضاء الدرهم الغرور!
حتماً ستسقط قيم ثمينة وتُفقد الهوية التي تمَّيز السوداني عن غيره إذا لم يُنتَبه لثقوب جيوب الجلابية العزيزة, والاستعانة (بترزي جلاليب) متميز يقفل تلك الثقوب بعناية ويكفي الأمة شر التوهان في فضاءات المعاصرة.