صلاح الدين عووضة يكتب.. ولا أَسَفَاً !!
على الحاضر..
ولا على الماضي أيضاً..
ومصطفى سيد أحمد صدح بكلمات قاسم أبي زيد:
كتير بنعاتب الحاضــر…
ولا أسفاً على الماضي…
وفي حالتنا هذه فنحن نعاتب الحاضر؛ فإن صار ماضوياً فلا أسفاً عليه..
تماماً كما لا أسفاً على ماضي أيام المعزول..
فحاضرنا الثوري هذا سطا عليه من أحال آماله بؤساً… وفشلاً… وشقاءً..
ظهروا على حين غفلة..
على حين غفلةٍ من الثوار… والدماء… والشهداء… والتاريخ..
أتوا يمتطون صهوات خيول النهم من وراء البحار… والستار… والدولار..
وتساءلنا بلسان الطيب صالح: من أين أتى هؤلاء؟..
فإذا بكل بضاعتهم السياسية – والاقتصادية – للناس تتمثل في مفرداتٍ ثلاث..
الصَّبر…. المَهَلَة…. الوعد..
وما بين كل مفردة وأخرى براحاتٌ من الوهم… والنهم… و(السجم)..
براحاتٌ طوت براحات الإنقاذ الزمانية – الثلاثينية – في عامين فقط..
بكل ما فيها من فشلٍ… وتمكين… وشبق سلطوي..
وصدق نائب رئيس حزب الأمة – إبراهيم الأمين – في اعترافاته الأسيفة..
فقد اعتذر للشعب بشجاعةٍ عُرف بها؛ وعُرفت به..
قال إننا فشلنا؛ وحمدوك يتحمّل الجانب الأكبر من فشلنا هذا..
وأحد عيوب حمدوك هذا الضعف… والتردُّد… والعجز عن المواجهة..
هكذا قال الأمين؛ وهكذا ظللنا نقول نحن..
وأحد التجليات البيئسة لمفردات بضاعة الفترة الانتقامية هذه تتجسّد في الكهرباء..
فقد بدأوا بالمَهَلة؛ قالوا للناس تمهّلوا وأمهلونا..
فلما تطاول أمد المَهَلَة هذه انتقلوا إلى مربع الوعود..
قالوا لهم: أصبروا حتى منتصف أغسطس؛ فسوف تنتهي القطوعات حينها تماماً..
فلما جاء الأوان – وازداد الوضع سوءاً – لجأوا لبضاعة الصبر..
قالوا لهم عليكم بالصبر لمدة ستة أشهر فقط..
ويرونها قريبة؛ ويراها الناس بعيدة..
فمن لا يكتوي بعذابات القطع الكهربائي هذا تختلط عنده مشاعر الإحساس بالأشياء..
والإحساس بآلام الناس..
بل والإحساس حتى بالزمان… والمكان..
وكل فشلٍ من أوجه فشل حكومتنا الفاشلة هذه يقربنا أكثر نحو الفشل الأكبر..
نحو مصيرنا المحتوم..
مصيرنا الذي كُتب علينا خُطى مشيناها لأكثر من ستين عاماً..
وسنمشي مشواراً آخر في السكة هذه.. لولا أن تفندون..
وكأني استعير لسان الهندي – في أواخر الحزبية الثالثة – مع فارق الشعور بالألم..
لسانه ذاك وهو يقول به (لو شالها كلب لما وجد من يقول له جر)..
فألمنا – حتماً – أكبر من ألمه لدواعٍ لا نجهر بها..
وإن كنا – عطفاً على ما ظللنا نصرخ به تحذيراً – نُهذِّب عبارته تلك… ونشذبها..
أو على الأقل اجتهدنا في أن نفعل ذلك..
لتصير العبارة المهذبة – المشذبة – ولا أسفاً… رغم انطلاقها من كامل الأسف..
وها نحن نأسف حتى قبل أن يقع المحذور..
وسواءً هذبنا… أو شذبنا… أو تأسفنا… فالمقدر – كما قال الشاعر- لا بد يكون..
ويتحمّل وزره (الحاضنون) لفترتنا الانتقامية هذه..
يتحمّلون بعضاً منه..
وكثيراً منه – كما اعترف بذلك إبراهيم الأمين – يتحمّله حمدوك..
نقول كلمتنا هذه ونحن نعلم أن أشباهاً لإسحاق سوف يقولون لنا مثل قوله ذاك..
فقبل سقوط الإنقاذ بنحو شهرين كتبنا (فات الأوان)..
أي أوان التصحيح… أوان تدارك الخطأ… أوان إصلاح ما يمكن إصلاحه..
فقد جد عزم معتز موسى – وآخرين من إخوانه – على فعل ذلك..
فقلت لهم (فات الأوان)..
فأجابنا إسحاق فضل الله بأن أواننا نحن هو الذي فات… أو أوان أحلامنا في التغيير..
والآن حتى مثل هذا العزم الإصلاحي لا يُوجد..
إلا من تلقاء نفرٍ بعيدين عن دائرة الحكم… أو مطبخ القرار… أو (شُلّة) حمدوك..
مثل إبراهيم الأمين الذي يكاد الآن يبكي..
لا يُوجد من يحس… أو يشعُر… أو ينتبه… أو يندم… أو يرى أبعد من مُقدِّمة فارهته..
فَلا أَسَفَاً !!.