قلنا إن دولة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، قد تقدم بمبادرة في يوليو المنصرم سمّاها المبادرة الوطنية، وقلنا آمال عراض عُقدت على هذه المبادرة، وان كل السودانيين كانوا يتوقّعون أن تكون مبادرة جادة وتقود الى المصالحة الشاملة والوفاق الوطني، بل إحساس السودانيين ان الأزمة في السودان سياسية تحتاج لحلول سياسية، وأول الحلول السياسية الإجماع الوطني، واهم امر في ذلك هو التراضي الوطني على البرنامج الانتقالي وعلى المشروع الوطني الذي يقود فيما بعد الى إقامة دستور.
ولكن خاب فأل الجميع من تشكيل الآلية الوطنية التنفيذية لإدارة المبادرة قبل معرفة المواضيع التي تناقشها، فالآلية قامت على اعضاء من مكونات الحرية والتغيير دون أن تشمل الطيف السياسي المعارض الذي هو أس المشكلة وهي فقط طُعّمت ببعض من رجالات الصوفية والإدارة الأهلية كمساحيق لتجميلها، ولكن هؤلاء المضافون من خارج سلطة الحرية والتغيير أنفسهم يرون ان المبادرة لا تحقق الأغراض التي من أجلها تم اختيارهم، وان دورهم سوف يكون تمومة جرتق أو دور المحللين للطبخة ولذلك بدأوا الانسحاب منها، وأولهم مني اركو مناوي حاكم دارفور الذي سبب الداع للاعتذار عن اللجنة، واشار الى مستشار حمدوك السياسي وهو يعني السيد ياسر عرمان، ولكن طالعت من خلال مقال الأخ حيدر خير الله كلاماُ قيل إنه قاله عرمان وفحواه الآتي (حديث مناوي حول مبادرة رئيس الوزراء لا يستحق الرد، ويجب ان نمضي نحن أبناء هذا البلد الى الأمام دون الالتفات لأحد).
وإن صح هذا الحديث، فإنّه أخطر من المبادرة، بل هو أخطر من النزاع والشقاق السياسي.
والسؤال الذي يطرح نفسه من هم أبناء البلد، من هم الأجانب؟ وهل من حق اي شخص ان يمنح شخصاً آخر الجنسية السودانية او يحرمه من غير السلطات المختصة؟ وما معنى هذا وهو واحد من العلل والأمراض التي تسببت في الحروب بالسودان؟
أولا اعتقد لو ان هذا التصريح صحيح، فإنّ الأخ ياسر عرمان يحتاج لضبط إيقاعه، لأن مثل هكذا تصريح تجاوز للخطوط الحمراء، ودخول في المحظور، وهو ليس بحاجة الى ذلك، ومن أدب الخصومة النقد بالحسنى.
ثانياً لا اعتقد ان هنالك شخصاً يملك الحق أن يوزع صكوك المواطنة في السودان. واعتقد ان الأخ ياسر رجل قومي ووطني ونتوقع منه الحديث الوطني الجامع، خاصة وأنّهم جميعاً زملاء نضال ومن مدرسة التمرد، ويمكن نجاح المبادرة رغم نقائصها إن طغى عليها الغطاء الوطني.
أيضاً اعتقد ان المبادرة لا تحقق الإجماع الوطني، لأنها صممت لتعالج الصراع الداخلي في الحرية والتغيير، ولذلك لم تقم أصلاً على مبدأ الشمول ولا الجمع وهي معنيٌّ بها صراعات الحرية والتغيير.
كذلك لم تشمل لجنتها لجان المقاومة والثوار وهم العمود الفقري للثورة.
ثالثا لم تحدد ما هي وما هو مكنونها وما هي المواضيع التي تعالجها والى اين تنتهي.
رابعا أمر الوطن اكبر من الأفراد، وقضايا الوطن لا تُحل بالصراع والعزل، ولذلك القادة الكبار دائماً اكبر من النظر الى الصغائر، والرجال العظام يعالجون القضايا الكلية دون النظر الى مصالحهم او مصالح احزابهم.
عليه، أعتقد مطلوبٌ من الدكتور حمدوك إعادة النظر في المبادرة والآلية التنفيذية ويشرك الكل، وينظر الى الوطن دون النظر الى غيره. وأعتقد الأخ حمدوك مازال لديه فرصة ليكون بطلاً قومياً، ولذلك رغم ان المبادرة ماتت ولكن يمكن إحياؤها.
أما الأخ ياسر عرمان اعتقد أنه يحتاج أن يخرج من جلباب الحركة إلى جلباب الدولة، وهو جلباب واسع ومُتّسع مكانه الآن القائد القومي وليس قائد الحركة المتمردة.