تقرير- نجدة بشارة
من المتوقع أن تضع إسرائيل والسودان، اللمسات الأخيرة على الاتفاق الدبلوماسي لتطبيع العلاقات بينهما؛ خلال الأيام القادمة وفق مراسم ستجرى في واشنطن، لتكتمل معها مسودة اتفاق السلام.. وفقاً لتصريحات صادرة عن الخارجية الإسرائيلية أفادت بتوقيع وشيك لاتفاق سلام كامل مع السودان حيث كشف المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية ليئور حياة، عن ترتيبات لتوقيع وشيك لاتفاق سلام كامل مع السودان، لتعزيز مسار الاستقرار في المنطقة.
ووصف المسؤول الإسرائيلي، الاتفاقيات الإبراهيمية بـالتاريخية ونوه إلى أنها غيّرت ولا تزال تغير الشرق الأوسط بأكمله.
وفي الداخل يرى كثير من المراقبين للشأن العام ويسمعون عن اتفاق سلام مع إسرائيل ويتساءلون عن ماهية «اتفاقيات إبراهام» وما وراء خطوة السودان من التوقيع عليها وما هي الفرص، المكاسب والتحديات؟؟
ما وراء الخطوة
عشية إلغاء مجلسي السيادة والوزراء في اجتماعهما المشترك، قانون مقاطعة إسرائيل، تحدثت الى مسئول بوزارة العدل عن أهمية إلغاء القانون، وكانت إجابته أن الحكومة تعمل على تفعيل اتفاق السلام بين تل أبيب والخرطوم، وقانون المقاطعة يقف حجر عثرة أمام إنفاذه، وأن الحكومة عمدت إلى إلغائه بهدف وضع اللبنة والأساس لتوقيع اتفاق السلام أو اتفاقيات “إبرهام”.
ونصت اتفاقيات إبراهام على ترسيخ معاني التسامح والحوار والتعايش بين شعوب وأديان منطقة الشرق الأوسط والعالم، لتعزيز ثقافة السلام في الإقليم، وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي أيلي كوهين قد زار الخرطوم بداية العام الجاري في أول زيارة رسمية علنية لوزير إسرائيلي عقب التوقيع في 6 من يناير، على “اتفاقات إبراهام” التي وافقت بموجبها الخرطوم على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
وبتوقيع اتفاق التطبيع، أصبح السودان ثالث دولة عربية، بعد الإمارات والبحرين، توقع على الاتفاق إذ وقعت الخرطوم الاتفاقات بعد أقل من شهر من قيام واشنطن بإزالتها من القائمة السوداء “للدول الراعية للإرهاب”.
وحسب مراقبين فإن اتفاق التطبيع الإسرائيلي السوداني هو اتفاقٌ أُعلن بين إسرائيل والسودان في 23 أكتوبر 2020، وبتوقيعه أصبح السودان خامس دولة عربية، بعد مصر عام 1979 والأردن عام 1994، والإمارات والبحرين في سبتمبر 2020، ورأوا أن اتفاق السلام سيعمل على تسوية العلاقات بين البلدين وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة بينهما.
ترحيب وتعطيل
وسارع رجل الأعمال ورئيس “المبادرة الشعبية للتطبيع مع إسرائيل” أبو القاسم برطم بالترحيب بأي خطوة نحو توقيع اتفاق سلام كامل مع دولة إسرائيل، وقال لـ(الصيحة): (نرحب بتوقيع سلام كامل مع إسرائيل)، وأرجع تأخير توقيع الاتفاق الى وجود خلل وعدم توازن داخل مكونات الحرية والتغيير، إضافة إلى تغليب المصلحة الحزبية الضيقة لبعض الأحزاب (الميتة) حسب وصفه؛ مثل البعث والأمة، تغليب مصالحها على مصلحة البلاد العليا، وأردف: أرمي اللوم على رئيس مجلس الوزراء د. حمدوك، وعلى مجلس السيادة، بالإضافة الى مجلس الشركاء، وزاد: “يفترض أن تفعل هذه الجهات الملف لمصلحة السودان”، مشيراً لوجود تعطيل داخلي من قبل الجانب المدني للحكومة .
وأرجع موقع (ويرلد جوش)، تأخر توقيع الاتفاق بين السودان وإسرائيل لانشغال الحكومة الانتقالية في الخرطوم بالتوترات الداخلية في الوقت الذي تنتقل فيه إلى الديمقراطية ما أحبط جهودها الشاملة للتعامل مع المجتمع الدولي، واستبعد أن تكون هناك انشقاقات أو اختلافات تجاه التطبيع بين مكونات الحكومة.
ولم يذهب برطم بعيداً بتكهناته، حيث أبان الباحث في معهد واشنطون لسياسة الشرق الأوسط ديفيد بولوك إلى أن التأجيل في التوقيع على اتفاق التطبيع يرجع إلى أن السودان دولة بها العديد من الانقسامات الداخلية في ظل حكومة وصفها بأنها شديدة الهشاشة، وأضاف أن السودان يمتلك الكثير من الإمكانات للتعاون الفني مع إسرائيل في العديد من المجالات المختلفة على رأسها المياه والزراعة والطاقة.
الفرص والمكاسب
عقب التوقيع على تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسودان وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاتفاق بأنه “تحول استثنائي”، ويرى برطم أن التوقيع على السلام بين الخرطوم وتل أبيب أصبح واقعاً، فقط مسألة وقت، ويجب على الحكومة والشعب التفاعل مع قضية سلام (إبراهام)، وأوضح أن التطبيع مع تل أبيب انتهى، ولكن المشكلة أن الحكومة الانتقالية لم توضح الحقائق للشعب السوداني، وقال إن اتفاق السلام سوف يحقق مكاسب وفرصاً سياسية في المقدمة، ويتيح للحكومة أن تقرر توجهها ناحية السياسية الخارجية، وشبه الحكومة الآن كمن يجلسون على مركب وكل يدير دفته في اتجاه مختلف وبما يوافق مصالحه الحزبية، مثل حزب الأمة، البعث، الاتحاديين، وغيرهم، بينما يجلس رئيس الوزراء في الوسط لا يدري لأي اتجاه يميل، وقال “كنت أتوقع أن يكون المدنيون بذات الشجاعة التي جعلت رئيس مجلس السيادة يلتقي رئيس الوزراء الأسرائيلي بنيامين نتنياهو في (عنتيبي)، وزاد: حتى فيما يتعلق بالوفود الإسرائيلية التي زارت البلاد كان يفترض الإفصاح عن هذه الزيارات بدلاً من أن يتكتم عليها الجانب السوداني وتفصح عنها إسرائيل .
بين التأييد والرفض
في الداخل، تباينت ردود الفعل على منصات التواصل الاجتماعي بين التأييد ورفض السلام مع إسرائيل، حيث أكد رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة القومي د. محمد المهدي حسن، لـ(الصيحة) أن حزب الامة لا يزال على موقفه المعلن بشأن التطبيع والسلام مع إسرائيل، وأردف: لن يتغير، حتى في حال مضت الحكومة تجاه السلام، وأردف: سوف نظل نرفض التطبيع مع اسرائيل، وأوضح: لكن لن يكون الرفض في إطار احتجاجات او تصعيد، وقال: “سنعبر وفق وسائلنا السلمية المعلومة، لاعتبارات ذكرناها سابقاً، عن مضار تطبيع السودان مع اسرائيل”.
رافعة سياسية للحكومة الانتقالية
وأشار المحلل السياسي عبد الرحمن أبوخريس في حديث لـ(الصيحة) إلى أن التوقيع على السلام بين تل أبيب والخرطوم سيُمثل رافعة سياسية للحكومة الانتقالية بشقيها العسكري والمدني ولقوى إعلان الحرية والتغيير من خلال فتح باب للعلاقات الخارجية على مصراعيه وبالتالي القدرة على إعادة الحسابات من فرض معادلات جديدة ومؤثرة على أرض الواقع.
وأردف: كما سوف يقنن ويؤطر للتوجهات السياسية للمصالحة والسلام لحكومة السودان مع إسرائيل، أضف إلى ذلك سيفتح المجال أمام الاستثمارات ويعزز المصالح السياسية وخطوة أساسية بل قفزة عالية في المجال الاقتصادي، ولفت إلى أن اتفاق السلام بين السودان وإسرائيل فرصة سانحة لخروج السودان من عزلته الدولية والبدء في إصلاحات سياسية واقتصادية في البلاد.
ماذا يريد السودان؟
لكن ووفقاً للمكاسب والفرص المتوقعة من اتفاق السلام وفي ظل الرفض والقبول طرح أبو القاسم برطم سؤالاً محورياً، وطالب الحكومة الانتقالية أن تجيب عليه قبل أن تضع يدها بيد إسرئيل وتوقع على السلام وهو ماذا تريد من دولة إسرائيل..؟؟ وأردف: ليس هنالك منهج أو رؤية واضحة للحكومة الانتقالية في الوقت الراهن بشأن إستراتيجيتها للسلام مع تل أبيب، وكيف ستحقق المكاسب والمصالح من هذه الاتفاقية سياسية، اقتصادية، عايزين “السلام عليكم” فقط، وكفى الله المؤمنين شر القتال؟