عبد الله مساريكتب : مواقف ومشاهد وأحداث في نهر النيل (6)
قلت في الحلقات السابقة، إن ولاية نهر النيل عظيمة، وإنسانها مميز، بل لديه أنفة كبيرة، ويحس انه لم يخلق مثله وكلهم ملوك وسلاطين يصعب قيادتهم، ولا يمكن تدجينهم ولا ينصاعون لحاكم بالقهر، ولكن بالتواضع والشورى والاستماع إليهم والجلوس معهم تستطيع أن تتسوسهم كما تشاء، وكانت لي مواقف ومشاهد كثيرة منها هذا الموقف.
كان السيد رئيس الجمهورية لديه زيارة إلى ولاية نهر النيل مدينة شندي ليفتتح كهرباء شندي ومنشآت اخرى، وكان لدينا لقاء جماهيري حافل وأقمنا صيواناً لهذا الغرض، ووضعنا كراسٍ مميزة للرئيس والوالي، وبدأ الناس يتقاطرون الى مكان الاحتفال، وجاء شيخ كبير في السن جلس على الكرسي المخصّص للسيد رئيس الجمهورية، وجاء إليه رجال المراسم وقالوا له إن هذا الكرسي مُخصّص للسيد الرئيس، ورفض القيام من الكرسي وأبلغوني أن شخصاً جلس في الكرسي المُخصّص للسيد الرئيس ورفض القيام منه وسوف يحدث شوشرة لو قوّمناه بالقوة، وجئت إليه وجلست في الكرسي الذي بجانبه وتحدثت إليه بلطفٍ وبصوتٍ مُنخضٍ، وقلت له يا شيخ العرب الكرسي الذي تجلس عليه مُخصّص للسيد الرئيس، قال لي الرئيس ما عمر، قلت له نعم، قال لي خلاص خلوُّه يقعد في الكرسي التاني، عرفت أن الرجل شِبكة، قلت له تمام، “ولكن الرئيس والضيوف سيتأخرون شوية نمشي بيت المعتمد نفطر ونرجع وخلاص كرسيك محجوز”. قال لي تمام، وقام معي وركبنا العربة وذهبنا الى منزل الأخ المعتمد اللواء الركن الفاتح عبد المطلب وكانت معي عربة أخرى تتبع لجهاز الأمن، وقلت لهم جيبوا فطور لعمكم دا، فعلوا وجابوا الفطور واستأذنت أنا وقلت للضابط بعد ما يفطر ويشرب القهوة اذهبوا به الى مكاتب الأمن وأقفلوه معكم وفعلاً نفّذوا التعليمات ووضعوه في حراسة الأمن وجاء الرئيس واكتملت الزيارة وغادرنا الى الخرطوم ثم ذهبنا عصراً الى منزل المعتمد وطلبت من رجال الأمن إحضار شيخ العرب من مكاتب الأمن. ووصل زعلان وجبنا الغداء واتغديت معه وقلت لمدير المكتب جيب مبلغ من المال. سلّمته لعمنا شيخ العرب دا وقلت له يا حاج تتساوق ترجع عيالك، ولكن أعرف ان عمر دا رئيس الجمهورية ما عمر اللي إنت عارفه زمان، قال لي الله يا ولدي الوالي إنت مفتح جداً عليّ بالطلاق، إنت الوالي الذي ينفع مع الجعليين (نان تفلق وتداوي) عليّ بالطلاق كان ما طريقتك دي ما أقوم من الكرسي وأعمل لكم جوطة شديدة. لكن انت والي بصير.
شكراً لك وعرفتني حاجة لأني ناظر لعُمر ولدنا الزمان ينطط معنا في الجناين، هنا أيضاً تأكد لي قول أربعة لا أمان لها
(الحاكم ولو قرب منك).
هؤلاء هم أهل نهر النيل عزة نفس شديدة، ولكن احترام شديد للقانون وهم ناس صولة وجولة ومنعة.