ثمة تشوهات وبثور تعتلي وجه قانون الملكية الفكرية ولم يزل هذا القانون يثير جدلاً كثيفاً ولم يجد الرضي المطلق حتى الآن.. فالبعض يرى بأنه أوفى كافة الحقوق وأعطى الجميع دونما تمييز.. ولكن البعض يرى بأنه قانون ظالم في جزئية المغني.. بينما منح الشاعر والملحن حقهم كاملاً.
الجدل الكثيف الذي يدور حول قانون الملكية الفكرية جعل صديقنا المحامي أسعد الطيب العباسي يجري تحقيقاً ذكياً حول القانون وبعض الأطراف التي ظلمها مشرعو القانون.. كنت من بين من استطلعهم أسعد العباسي في صحيفة حكايات، فقلت له (حينما تأتي سيرة الملكية الفكرية وقضايا الحقوق بكافة تصنيفاتها أصيلة ومجاورة وغير ذلك، أتذكر أغنية (تباريح الهوى) التي صاغها شعراً الشاعر التجاني حاج موسى ووضع لها الألحان الموسيقار محمد سراج الدين وتغنى بها الفنان العظيم محمد ميرغني، وهذه الأغنية سكنت وجدان الناس بصوت محمد ميرغني المعتق .. وحينما يرددها أي فنان آخر تبدأ المقارنة بينه ومحمد ميرغني، وهذا يؤكد أنه صاحب (حق أصيل)، وإذا كان التجاني حاج موسى يمتلك (النص الشعري) ومحمد سراج الدين يمتلك (المؤلف اللحني) فإن محمد ميرغني يمتلك (الصوت)..
ولكن واقع الأمر يقول بأن التجاني حاج موسى ومحمد سراج الدين يمتلكان كتلة مادية ومحسوسة وهذا لا يتوافر لمحمد ميرغني لأن الصوت يتوافر عند فنانين آخرين غيره باعتبار أن الأغنية يمكن أن يغنيها عدد من الفنانين ولكن لا يستطيع أي شاعر أو ملحن أن يدعي ملكية النص الشعري أو المؤلف اللحني لأغنية تباريح الهوى.
قصدت أن تكون أغنية تباريح الهوي هي نموذجي مع أن هناك مئات النماذج والأمثلة والأدلة.. ولكن لأن شاعر الأغنية كان هو الأمين العام للمصنفات الاتحادية وهو الذي سمح لمطربين أن يتغنوا بها رغم عدم رضى محمد ميرغني.. ولكن رفض محمد ميرغني مبرر من الناحية (الأخلاقية) ولكن من الناحية القانونية غير مبرر.. بذلك يمكن أن أقول بأن القضية ليست بفكرة مع أو ضد ولكنها قضية شيء مقبوض في اليد كالنص الشعري أو المؤلف اللحني وشيء يذهب مع الهواء ـ وأعني الصوت .
من المؤكد أن المشرع لقانون الملكية الفكرية ذهب بناحية (الحسية) وأغفل (المعنوية) لذلك كان التأرجح في الظلم.. ولكن هل نعلم أن مطربة بقامة أم كلثوم تندرج تحت هذه الطائلة، طائلة الحق المجاور، أم كلثوم التي قدمت بعض المجهولين وقادتهم لقمة الشهرة والمجد وتسلقوا أكتافها وحصدوا المجد والمال، ليست صاحبة حق أصيل بل مجاور.. دعوني أقول أنه (الحق الجائر) بكل تناقضات الجملة)!!!
الحق المجاور أو الجائر كما أطلقت عليه يظل هو الثغرة الوحيدة في ذلك القانون لأنه جرد فنانين كباراً من حق أصيل أمثال محمد ميرغني وإبراهيم عوض، بينما منح أمثال أمجد حمزة الحق الأصيل.
تلك هي سبة القانون فهو حول (النفيس) الى (خبيث) وأعلى من شأن بعض قصار القامات ورفعهم فوق أصحاب التجارب الأصيلة.. لذلك ينبغي أن نتوقف قليلاً في جزئية المغني باعتباره صاحب حق مسلوب.
النماذج التي ظلمها القانون لا تحد إذا أردنا ذكرها بالاسم.. فهناك الكثير من الأسماء التي قدمت للغناء ولكنها وجدت الظلم الكبير من هذا القانون الركيك كما وصفه الدكتور محمود السراج الشاعر والملحن والمغني..