تقرير- نجدة بشارة
بعد خمسة أيام فقط من عودة رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان من تركيا، التي قضى بها يومين لبى خلالها دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وصل إليها.. رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد، الأربعاء الماضي في زيارة عمل رسمية، وذلك وفقاً للصفحة الرسمية لمكتبه في أديس أبابا.
ويوصف في العرف الدبلوماسي الزيارات التي تسارع فيها دولة إلى دولة أخرى إثر زيارة لمسؤول رفيع من دولة أخرى بينهما توترات دبلوماسية، تعرف (بمحو الأثر)، وربما ذهبت أثيوبيا إلى تركيا لشيء في (نفس يعقوب)، والزيارات الدبلوماسية فيها السر والجهر! إلا أن “أردوغان”، جهر باستعداد بلاده لحل النزاع بين السودان وإثيوبيا بشأن منطقة الفشقة، في لقاء مشترك مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بالعاصمة أنقرة.
وقال أردوغان: “تركيا على استعداد للمساهمة بكل الطرق لحل النزاع ودياً بين السودان وإثيوبيا بشأن منطقة الفشقة، بما في ذلك الوساطة”..
وفي المقابل يتساءل متابعون عن احتمالية قبول السودان الوساطة التركية وسبق أن رفض الوساطة الإمارتية؟.. وما هو المقابل الذي تسعى إليه تركيا من الوساطة؟ هل تنظر تركيا إلى أراضي الفشقة مثلما طلبت الأمارات سابقاً مقابل وساطتها بين أديس أبابا والخرطوم؟ خاصة وأن أنقرة كشفت عن أراضٍ زراعية منحت لها من قبل رئيس مجلس السيادة البرهان للاستثمار فيها.. هل هذه الأراضي تتبع للفشقة… كل هذه الأسئلة وأخرى نجيب عليها في هذا التقرير.
ترحيب بالوساطة ولكن!
وفي السياق سبق رحب عضو مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، بأي مبادرة لمعالجة القضايا مع الجارة إثيوبيا، دون المساس والتفريط في أي شبر من أراضي بلاده.
إلا أن البرهان وخلال زيارتة الأخيرة لأنقرة وافق على تخصيص 100 ألف هكتار (مليون فدان) من الأراضي الزراعية لتشغيلها من قبل تركيا كمرحلة أولى.
وقال نائب الرئيس التركي، فؤاد أوكطاي، إنه تم الاتفاق على تخصيص هذه المساحة من الأراضي في السودان لتشغيلها من جانب تركيا، لكن لم يفصح الجانبان عن موقع الأراضي الممنوحة لتركيا لاستثمارها .. هل ستكون أراضي الفشقة؟
ويجيب على السؤال السفير الطريفي كرمنو في حديثه لــ(الصيحة): موقف السودان واضح ولن يقبل أي مساومة على أرض الفشقة أو السماح لأي دولة أن تدخل كوسيط مقابل الاستثمار في أراضي الفشقة خاصة في هذا التوقيت..
وأردف: أستبعد قبول السودان بوساطة تركية إلا في حال كانت الوساطة بخصوص إيجاد الحلول لقضية سد النهضة، ولكن أستبعد قبول السودان بوساطة تركية إذا اقترنت الوساطة بأي شروط كما سبق ووضعت الأمارات شروطاً مقابل وساطتها بين الخرطوم وأديس أبابا.
مواقف ثابتة
ولعل السودان رفض مبادرة دولة الإمارات العربية المتحدة، المتعلقة بالنزاع بين السودان وإثيوبيا، واعتبرها تجاوزاً للموقف السوداني المتفق عليه، والمتمثل في «وضع العلامات الحدودية»، ووفقاً لخبراء فإن السودان لن يقبل أي مبادرة تتضمن نسباً، أو تقاسم أراضيه التي استردها من إثيوبيا، موضحاً أن موقفه الموحد هو وضع العلامات الحدودية بين الدولتين، قبل بدء أي تفاوض يتعلق بقضايا أخرى.
وأكدوا أن الموقف السوداني من موضوع الحدود مع إثيوبيا «لم يتغير ولن يتغير»، وأن السودان لن يقبل وساطة أو أحاديث عن تسوية لموضوع الحدود بخلاف وضع العلامات.
صحيح أن دولة الإمارات العربية لم تنشر علناً فحوى مبادرتها، كما لم تتحدث السلطات السودانية عن تفاصيلها. بيد أن تسريبات تداولتها وسائل إعلام ووسائط تواصل اجتماعي، أوردت أن دولة الإمارات اقترحت استثمار أراضي «الفشقة» التي استردتها القوات السودانية بشكل مشترك بينها وكل من الخرطوم وأديس أبابا، بنسبة 25 في المائة للسودان، و25 في المائة لإثيوبيا، على أن تستثمر الإمارات 50 في المائة المتبقية من أراضي الفشقة، وهو ما رفضه مجلس الأمن والدفاع السوداني من حيث المبدأ.
لعب أدوار
ورجح مسؤول بوزارة الخارجية ـ فضل حجب اسمه في تصريح لـ(الصيحة)، عدم قبول السودان وساطة دولة تركيا، وقال: (ليس سهلاً على السودان القبول بوساطة دولية فيما يتعلق بملف سد النهضة، يأمل أن يلعب الاتحاد الأفريقي دوره المنوط به بجمع الأطراف الثلاثة، وأردف: خاصة وأن أثيوبيا أعلنت عن نيتها العودة مجددًا للمفاوضات”.
وزاد: المطلوب في هذه المرحلة تشجيع الاتحاد الأفريقي ليلعب دوره.
وألمح المسؤول إلى أن تركيا ربما تسعى إلى التوسط بخصوص قضية الحدود السودانية ـ الأثيوبية، وأعتقد أن نوايا تركيا ربما تكون أقرب إلى الأهداف التي سبق وطرحتها الأمارات في المبادرة الأمارتية، وهي الاستثمار في أراضي الفشقة، وأكد أن الوقت ليس مناسباً للتوسط بخصوص الفشقة، لأن الفشقة أراضٍ سودانية ولا تحتاج إلى(لف ودوران)، وأضاف: قضية الحدود قديمة منذ العام 1902 والعام 1970م، وبالتالي لا تنازل عن الفشقة وزاد: لأن حل قضية الفشقة بداية لحل مشكلة حلايب، ورسالة صريحة وقال: لا أتوقع أن تلعب تركيا دور كبير في وساطتها بين الدولتين، لكن أعتقد ربما تكون ساعية إلى استصلاح أراضي الفشقة عبر طرح حلول لحل الأزمة والاستفادة من فرص الأراضي، بينما استبعد الحديث عن منح البرهان تركيا أراضي لاستصلاحها في السودان.
ويشهد إقليم تغراي في شمال إثيوبيا نزاعًا بين الحكومة الفدرالية وجبهة تحرير شعب تغراي منذ نوفمبر الماضي بعدما شنّ رئيس الوزراء أبي أحمد عملية عسكرية على جبهة تحرير تغراي وفرّ عشرات الآلاف من الأشخاص إلى السودان هربًا من الصراع الذي أسفر عن مقتل الآلاف ودفع 400 ألف شخص إلى تخوم المجاعة، وفقًا للأمم المتحدة، أما في منطقة الفشقة، فتسود توترات بين الجانبين الإثيوبي والسوداني رغم بسط الجيش السوداني سيطرته عليها منذ أكثر من عام بعد أن استوطنتها مجموعات إثيوبية تحميها قوات مسلّحة.
ولا تزال بعض المواقع في الفشقة تشهد وجودًا لمزارعين ومسلحين إثيوبيين، الأمر الذي يتخوّف منه سكان الجانب السوداني وسط تأهّب للجيش السوداني عبر نشر آلياته على الخط الحدودي السفلي الفاصل بين الدولتين.