سمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي يراهن على دور مشترك بين الأمارات واليونسكو لتعزيز أدوار الثقافة العربية
الجوائزالعالمية للإبداع تقدير وعرفان، فاعتراف
جائزة حرية الإبداع العالمية أخذتني إلى جائزة الشارقة – اليونسكو للثقافة العربية
منها دارفور الكبرى خرجت عروضنا المسرحية لمنصات الجوائز العالمية
جئت يا سادتي إلى أوساط الفنون الأدائية، مولعاً كنت بفن التمثيل، أحاكي، أقلد، ما استطعت. وكنت يومها صغيراً في كل ما عندي، جسدي النحيل، وأطرافي تمتد بلا سمنة،
لكن حلمي بالفن كان كبيراً، باتساعه الأفق أمامي، وكان فسيحاً، مشيت فيه بالأحلام ما استطعت، وأوصلتني إلى بوابة (الإذاعة- هنا أمدرمان). دخلتها أول مرة مع فريق التمثيل التقينا في باحة مدرسة (أبوكدوك)، جديدة كانت، تجمعنا طلاب في السنة النهائية من كل مدارسنا القديمة، جئنا والحلم أن ننهي مرحلة دراسية فيها، أقل اشتغالاً بغير التعليم. غادرناها مدارسنا الأقدم باسباب متفرقة. عني كنت أعلم أنه ولع بمحاكاة الساسة، شدة وقدرة، بلا حسن ظن، شباب، الأفق أمامه أسدل ستاراً ثقيلاً، فكانت مدرسة (أبوكدوك) الوسطى حباً ولا حل. مع اشتراطات بالابتعاد ما أمكن من أسبابها والانتقال إليها غير مطرود من مدرستي الأولى الأحب. والحي غير بعيد من الخور الأشهر للأمير الأكثر شهرة، والأقرب إلى خيالاتي، وما سمعته عنه وعنها دنيا التحديدات وقتها، والدنيا مهدية (خور أبوعنجة). جنوبها، وغربها، في البعيد مستشفى الصدر، وكأنها آخر الدنيا، والمبنى الشاهق يومها في مدخل الحي، بيت أنيق، طابق وآخر، ثم سطح فسيح، كان صاحبه أفضل من أدخل القوات النظامية في مظهر فتان لبس جميل (كاكي)، تعجب به، وتتمنى لو التحقت بالقوات المسلحة.
عمي (عابدين عوض) الأشهر، أمشي إلى جوار بيته يومياً، ثم مرت الأيام والسنوات، وكان جزء منه ذلك البيت الشهير مقراً للمسرح الوطني – مسرح البقعة. هل في ذلك فكرة، أو أي تقارب، أو أنها محن الزمان. جعلت الجوائز العالمية تجلس إلى بعضها البعض، في ذات البيت القديم، بعد أن تحول جزء منه الى المكاتب والمقر لمسرح البقعة المباركة. ونحن نكتب عنها الجوائز العالمية، آيات الفخر والتقدير، والإدراك بأن شيئاً يستحق أن يقال له أحسنتم.
وإن ما ذهبت إليه من بين كل فنون العرض في ذاك الوقت هو فريد الوقت، وعبّر عن الأهداف والغايات الأسمى والأغلى، ثم الأعلى لأدوارها فنون العرض كلها، وهو هنا محطة نقول فيها لكم شاكرين ومقدرين، فلكم الجائزة حباً وامتناناً، تجمعت لها كل ما يحسب لصالحكم، فمبروك لكم، وللزمان الذي أحضرَنا جهدكم، فنظرنا لعملكم الإبداعي ولما بعده، بعين كلها رضى، وأنا الأسعد بأن أعود معكم للسودان والبقعة المباركة، فرحة فذاك من الغايات الممكنة، هكذا وفي تلك اللحظة التاريخية وأنا أقف بين يدي سيدي صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة، وصاحب المبادرة الخلاقة لتأسيس وإعلان جائزة الشارقة اليونسكو للثقافة للثقافة العربية، والسيدة الفضلى معالي (أرينا بوكوفا) المدير العام لمنظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو، سمعت الجائزة من داخل صندوقها الجميل، تمثل سفناً خليجية قديمة وأشرعتها منتصبة في اتجاه الشمس، أشرعة من فضة، تلمع على أضواء القاعة الكبرى في مبنى اليونسكو، غير بعيد من حيث أسكن لسنوات في (باريس)، وهي تبدو لي يومها تتجمّل على ما في حسنها من حُسن، تشاركني الاحتفاء بالفوز بهذه الجائزة، ووضعت يدي بين يدي سموه، وأنا اشد على جهد من العلم والمعارف، وإصرار منه صاحب السمو الشيخ الجليل لتكون للثقافة كل هذه الأدوار في حيوات الناس. ولأنها الشارقة ودولة الأمارات، لم تكن تلك المبادرة غريبة، فمن يسهم الآن في صناعة الحياة بشكل أفضل، يباعد بين الأمم والاقتتال، ويقلل من فرص العنف، ويسعى لجمع الناس على حوارات التآخي والمحبة، ويسعى بفكرة التسامح، ليبني مجمعاً للمحبة يتشارك فيه كل أصحاب المعتقدات والديانات، يجلسون للتفكر في ما ينفع التقدم والترقية.
كان ذاك في خاطري وأنا أسمع كلمات شيخ الفكر والثقافة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وهو يراهن على عزم مشترك بينها الشارقة ودولة الأمارات واليونسكو، على نشر الثقافة العربية وتعزيزها وإبراز الإسهامات الكبيرة للثقافة العربية في الثقافة العالمية.
يومها لممتُ فرحي بالجائزة، ورجعت للتصاوير القديمة، من فضاءات عروضنا، ونحن نطوف دارفور الكبرى، في أوقات بالغة التعقيد، والنزاعات تمتد، ولا تنهد فكرة الاقتتال، وكانت المدن عندي وفريق البقعة التمثيلي أضيق، والوديان هي ما نحتاج لتقديم عروضنا.
لا نحتاج إلى منصة، أو إضاءة، أو مكبرات الصوت. ندخلها الأحياء القديمة، ونفتح بيننا والساحات والميادين أبواباً وعهداً يتجدد في كل زيارة ، وإذا ضاقت (نفاج).
ونجلس للأطفال والنساء في المعسكرات، نغني وننشد ونرقص ونحكي ونلعب بالعرائس. وترن الأجراس، وتهتف النوبات والطبول معلنة بدايات الفرجة، والناس في دائرة المحفل، نحن نحتفل وأشواقنا للسلام، وهم محتفلون، والدائرة تجمعنا، تحف بنا، إذاً نحن البناؤون لمحفل الفن العظيم، لا بيننا وبينهم ستار، أو حائط رابع، فهو المحفل العظيم، يوم يختلط المؤدي المغني المشخصاتي العازف على لحون الحياة، تبدأ الحياة، والغد الجديد، حلم بعالم بلا حرب.
ولهذا قررت اللجنة الدولية لجائزة الشارقة اليونسكو للثقافة العربية منحنا الجائزة لسنة 2010 .
تأسست جائزة الشارقة اليونسكو للثقافة العربية العربية بمبادرة لها ما بعدها، وقد كان أن أضحت الجائزة واحدة من أهم الجوائز العالمية التي تسهم في لفت الانتباه نحو إسهامات المبدعين لبناء العالم، الذي نرجوه خالياً من النزاعات. ولا تقتصر الجائزة على الاحتفال المطلوب بالثقافة العربية، لكنها تعتبر في مفتتح غاياتها، تكريماً للحوار بين الثقافات، ويعظم من أدوارها، ويزيدها التبادل بينها ثراءً على ثرائها.
لقد كنت سعيداً جداً على المستوى الشخصي بها، خاصة وأنني حظيت من بين الفائزين بها، ومنذ إعلانها في العام 1989 أن قدم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي المؤسس لحضور الاحتفال، وتقديمها للفائزين في تلك الدورة وذاك عندي تقديراً يمشي فوق الجائزة،
وهي تُمنح كل عام لاثنين من الفائزين للذين أسهموا بجهد وجهد في نشر الثقافة العربية ولهم إسهام عالمي لإبرازها الثقافة العربية عالمياً ولهم إسهامات في ترقية الحوار وتطوير والنهوض بالثقافة العربية.
إن تكريس الجوائز العالمية لترقية الثقافة والفنون أمر يترك تأثيراً بالغاً على مشهد الثقافة العربية الآن فبعد ترشيحي ومنحي لها لفتت الأنظار إلى جهودنا القُطرية وحققت لنا فرص الحضور الإقليمي والدولي في مساحات ومسارح فهمت عبر عروضنا كيف يمكن للفنون أن تسهم في مناهضة العنف كل أشكال العنف المفضي للفوضى.
ولأنها الجائزة تبني جسور المعارف مع العالم بفضل الفكرة فيها ومنها، تمنح أيضاً لمبدع ساهم من جغرافيا الدنيا، من الغرب أو الشرق، في قبول حوار الثقافات، بديل لحوار التفجير والموت. ففي ذات العام مُنحت الجائزة مناصفة بيني والصديق الكاتب والمخرج المسرحي والشاعر صاحب الإسهامات البارزة في ترقية الحوار بين الثقافة العربية والثقافات الأخرى، لأكثر من خمسة عقود، الأستاذ(شريف الخزندار) مؤسس ورئيس بيت الثقافات العالمية في (باريس).
وقفنا معاً إلى جوار مدخل اليونسكو نتقاسم التصاوير والأحاديث إلى وسائط الإعلام العالمية. ووقفت بعدها أشكر سيدي صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي حفظه الرحمن، صاحب المبادرة، ونقف إلى جوار عَلم دولة الأمارات العربية المتحدة، رُفع ذاك المساء بشكل خاص، تحية واحتراماً لأدوارها الأممية، لا في الاقتصاد والسياسة، ولا جهودها الراهنة للتقارب الأممي، لكنها تلك الأمسية كانت تجدد دعمها للثقافة العالمية، وتمشي مع مبدعي العالم في سعيهم من أجل سلام الإنسان،
دهليز قادم عنها جائزة أخرى
(جائزة حرية الإبداع)
تلك حكاية اخري.