بإعلان الحزب الشيوعي، موقفه ضد المُبادرة، وعضوية آليتها، ومع انقسام حزب الأمة القومي تجاهها، لم يَتبقَ من القِوى الثورية الرئيسية المؤيدة لها – والتي وقّعت على إعلان الحرية والتغيير – إلا بعض أحزاب، وتيارات، لا تملك قواعد مُتجذِّرة في التاريخ السياسي السوداني. وضف إلى هذا إعلان تجمُّع القوى المدنية موقفه الرافض للمبادرة، وهو من الأضلاع المهمة التي ساهمت في الثورة.
على صعيد الأمة القومي، قال القيادي البارز فيه إبراهيم الأمين، إنّ المبادرة تهدف لتكوين جسم بديل لقوى الحرية والتغيير، وإنّ أعضاءً من حزبه استدرجوا لمُبادرة لا قيمة لها، وفقاً لما قال. أما الحزب الشيوعي فقال على لسان متحدثه الرسمي فتحي فضل عن المُبادرة، إنّما هي مصالحة مع الإسلاميين. وقبلها اعتذر رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، وحتى الناظر محمد الأمين تِرِك المعروف بعلاقته مع النظام السابق ترك عضوية آلية المبادرة.
وأمام هذه المُعطيات نعتقد أن هناك حاجة ملحة لحمدوك، ومستشاريه، أو رئاسة المبادرة، لعقد مؤتمر صحفي لتنوير الرأي العام حول كل ما يتعلّق بالمُبادرة، والأهداف التي يُريدونها منها، ويشرحوا لنا كيف أنه تم اختيار أشخاصٍ ليقوموا بتحريك آليتها دُون مشورتهم، وكذلك توضيح الأسباب التي حملت حمدوك لاختيار أعضاء سابقين في حزب المؤتمر الوطني المُنحل للمهمة، وخلافاً لذلك، كيف تجاوز مطبخ الآلية من باب التقدير اختيار رجال مُناضلين، وحكماء كثر، تعج بهم محافل العطاء الوطني ما دام يرون أهمية للمُبادرة، وحاجتها للدعم برموز مشرفين.
كل ما نخشاه عند ثورة نشدت تمليك المعلومات للجماهير بكل شفافية، أن يكون وأد المعلومات ديدن الذين حمّلهم الثوار أمانة القيادة. فالشعب السوداني يستحق الاحترام، والتقدير، ليعرف كل صغيرة، وكبيرة، عن هذه المُبادرة التي خاطبته، وأن يأتي التوضيح من المسؤولين عنها دُون لبسٍ، أو غُموضٍ، وذلك لأنّ بلادنا لا بد أن تفارق نهج احتكار المعلومة التي تتعلّق بمستقبله، حتى لا تُفرض عليه أجسام سياسية جديدة غير المعترف بها في الوثيقة الدستورية.
نعم، على المسؤولين أن يقفوا أمام الكاميرات ليجيبوا على أسئلة الصحفيين، وليبيِّنوا المعايير التي بها تم اختيار عضوية آلية المُبادرة، والقيد الزمني الذي فيه تقضي زمنها، وهل تعرض توصياتها على المجلس التشريعي إذا قدر له التكوين، أم أن هذه التوصيات ملزمة دستورياً لتبقى مثل مجلس الشركاء الذي كذبوا علينا بأن يكون جسماً تنسيقياً، ولكنه صار أداة تنفيذية كاملة الدسم.
لا نعتقد أن خلو المُبادرة من تجمع المهنيين الذي قاد الثورة – واختار حمدوك نفسه – يمثل بادرة مشجعة لإمكانية التوصل إلى نتيجة مفيدة لوحدة القوى المسؤولة عن الانتقال. فضلاً عن ذلك فإنّ خلو المُبادرة من تيار لجان المقاومة، والحزب الشيوعي، اللذين كان لهما نصيب الأسد في دفع وتيرة الحراك الثوري لا يشجع قواعد المكون الثوري لدعمها، وهي لما تكشف عن أصل هدفها غير ذلك الكلام الفضفاض حول تجميع الكتلة التاريخية. وقد قلنا مراراً، وتكراراً، بفشل السودانيين في تجميع مكونات هذه الكتلة لنصف قرن، ولذلك يصعب لحمدوك دمجها في تحالف واحد، وأمامه مجرد عامين ليغادر المشهد السياسي.
إن الإخوة في حزب المؤتمر السوداني والتجمع الاتحادي وهما من مكونات إعلان الحرية والتغيير المُعتبرة مُطالبون من ناحية ثانية بألا يصمتوا دون مواجهة الشعب بالدفاع عن هذه المبادرة التي يؤيدونها. وقد قرأت كلاماً مُثيراً للأستاذ عمر الدقير قال فيه إنّ “المُبادرة تمثل وثيقة إدانة لشركاء إدارة الفترة الانتقالية، لأن ما ورد فيها كان من الواجب أن يتم تنفيذه خلال الفترة الماضية”. فالدقير إنما يُدين نفسه أيضاً، فهو عضو مجلس شركاء الفترة الانتقالية مثلما أن حزبه يُعد من أكثر الداعمين للمجلس والمُبادرة، ولو أن حديث الدقير جاء من باب الشفافية في نقد الذات فذلك قيضٌ من فيضٍ.
أما إخواننا في التجمع الاتحادي بقيادة محمد مختار الأصم، وبابكر فيصل، فلا أسكت الله لهما حِسّاً. فلا يكفي دعم الجهاز التنفيذي، ومجلس الشركاء، من خلف حجاب، بينما نحتاج إليهما في سطح الواقع لنعرف رد فعلهما حول هذه الآراء المهمة التي يُثيرها الرأي العام حول المجلس المعني، والذي صار بديلاً للمجلس التشريعي. وكذلك نحتاج إلى ظهورهما الإعلامي من أجل التّعرُّف على رؤاهما حول هذه المُبادرة التي شغلت الشركاء أكثر من الاهتمام بالمجلس النيابي المعين نفسه.