عبد الله مسار يكتب : عِبر واعتبار
كتب الزعيم نيلسون هذه الرسالة الى شعب مصر وتونس عقب ثورات الربيع العربي..
نص الرسالة:
اعتذر أولاً عن الخوض في شؤونكم الخاصة، وسامحوني ان كنت دسست أنفي فيما لا ينبغي ان أقحم فيه نفسي، ولكني أحسست أن واجب النصح أولاً والوفاء
ثانياً لما أوليتمونا إياه من مساعدة أيام قراع الفصل العنصري يحتمان عليّ رد الجميل بإبداء رأي محصته التجارب وعجمته الايام، وانضجته السجون.
أحبتي ثوار العرب..
لا زلت اذكر ذلك اليوم بوضوح، كان يوماً مشمساً من ايام كيب تاون خرجت من السجن بعد ان سلخت بين جدرانه عشرة آلاف عام.
خرجت الى الدنيا بعدما ووريت عنها سبعة وعشرين عاماً لأني حلمت أن ارى بلادي خالية من الظلم والقهر والاستبداد، ورغم ان اللحظة امام سجن فكتور فستر كانت كثيفة على المستوى الشخصي، اذ ساري وجوه اطفالي وأمهم بعد كل هذا الزمن، الا ان السؤال الذي ملأ جوانحي حينها هو كيف سنتعامل مع ارث ظلم لنقيم مكانه عدلاً.
أكاد أحس ان هذا السؤال هو يقلقهم اليوم. لقد خرجتم من سجنكم الكبير وهو سؤال قد تحدد الإجابة عليه طبيعة الاتجاه الذي ستنتهي اليه ثوراتكم.
ان اقامة العدل اصعب بكثير من هدم الظلم، فالهدم فعل سلبي، والبناء فعل ايجابيٌّ، او على لغة مفكريكم، فإن احقاق الحق اصعب بكثير من ابطال الباطل.
أنا لا أتحدّث العربية للأسف، لكن ما أفهمه من الترجمات التي تصلني عن تفاصيل الجدل السياسي اليومي في مصر وتونس تشي بأن معظم الوقت هناك مهدر في سب وشتم كل من كانت له صلة تعاون مع النظامين البائدين وكان الثورة لا يمكن أن تكتمل إلا بالتشفي والإقصاء.
كما يبدو لي ان الاتجاه العام عندكم يميل الى استثناء وتبكيت كل من كانت له صلة قريبة أو بعيدة بالأنظمة السابقة. ذاك امر خاطئ في نظري.
أنا أتفهّم الأسي الذي يعتصر قلوبكم، وأعرف أنّ مرارات الظلم ماثلة، إلا انني ارى ان استهداف هذا القطاع الواسع من مجتمعكم قد يسبب للثورة متاعب خطيرة، فمؤيدو النظام السابق كانوا يسيطرون على المال العام وعلى مفاصل الأمن والدولة وعلاقات البلد مع الخارج.
فاستهدافهم قد يدفعهم الى أن يكون إجهاض الثورة أهم هدف لهم في هذه المرحلة التي تتميّز عادة بالهشاشة الأمنية وغياب التوازن.
أنتم في غنىً عن ذلك، أحبتي إن انصار النظام السابق ممسكون بمعظم المؤسسات الاقتصادية التي قد تشكِّل استهدافها أو غيابها أو تحييدها كارثة اقتصادية أو عدم توازن أنتم في غنىً عنه الآن.
عليكم ان تتذكروا أن أتباع النظام السابق في النهاية مواطنون ينتمون لهذا البلد، فاحتواؤهم ومسامحتهم هي أكبر هدية للبلاد في هذه المرحلة، ثم انه لا يمكن جمعهم ورميهم في البحر او تحييدهم نهائياً، ثم ان لهم الحق في التعبير عن أنفسهم وهو حقٌّ ينبغي ان يكون احترامه من أبجديات ما بعد الثورة.
أعلم ان ما يُزعجكم ان تروا ذات الوجوه التي كانت تُنافق النظام السابق، تتحدث اليوم ممجدة الثورة، لكن الأسلم ان لا تواجهوهم بالتبكيت اذا مجدوا البؤرة، بل شجِّعوهم على ذلك حتى تحيدوهم، وثقوا ان المجتمع في النهاية لن ينتخب إلا من ساهم في ميلاد حريته.
إن النظر الى المستقبل والتعامل معه بواقعية أهم بكثير من الوقوف عند التفصيل الماضي المرير.
أذكر جيداً إنني عندما خرجت من السجن كان أكبر تحدٍ يواجهني، هو أن قطاعاً واسعاً من السود كانوا يريدون ان يُحاكموا كل من كانت له صلة بالنظام السابق، ولكنني وقفت دون ذلك، وبرهنت الأيام أن هذا كان الخيار الأمثل، ولولاه لانجرفت جنوب افريقيا إما الى الحرب الأهلية أو الديكتاتورية من جديد،
لذلك شكّلت لجنة للحقيقة والمصالحة التي جلس فيها المعتدي والمُعتدَى عليه وتصارحا وسامح كل منهما الآخر.
إنها سياسة مُرة لكنها ناجحة
ارى انكم بهذه الطريقة وانتم ادرى في النهاية، يتوسلون رسائل اطمئنان الى المجتمع الملتف حول الديكتاتوريات الأخرى ان لا خوف على مُستقبلهم في ظل الديمقراطية والثورة مما يجعل الكثير من المنتفعين يميلون الى التغيير كما قد يحجمون خوف وهلع الديكتاتوريات القائمة من طبيعة وحجم ما ينتظرها.
تخيلوا اننا في جنوب افريقيا ركزنا كما تمنى الكثيرون على السخرية من البيض وتبكيتهم وتقليم أظفارهم.
لو حصل ذلك لما كانت قصة جنوب افريقيا واحدة من اروع قصص النجاح الإنساني.
أتمنى أن تستحضروا قوله نبيكم (اذهبوا فأنتم الطلقاء).
نيلسون روهلالا مانديلا
هوانتون جوهانسبيرج
هذا مقال عظيم من رجل عظيم عركته وصقلته التجارب، تجاوز المرارات وتخطى مرحلة الهدم والانتقام الى مرحلة البناء والتسامح، ولذلك بزغ نجمه وخلد اسمه.
ايها السادة الحكام الآن، والحاضنة السياسية لا تبني الأوطان بالأغبان والانتقامات، ولكن تبنى بالتسامح والحوار وطي الماضي والنظر الى المستقبل، خذوا حكمة هذا الرجل الذي قضى نصف عمره سجيناً ولكنه بعد ان خرج صار رجلا قائدا وطنيا.
السودان بلد جميل لا تخربوه بالانتقام وتصفية الخصومات
تعالوا الى وفاق وطني ومصالحة وطنية
الحكم أوله سكرات وآخره فكرات
أرجو أن نتّعظ بغيرنا
إليكم هذه العبر ولكم هذا الاعتبار
نيلسون مانديلا الدليل
تحياتي