منى أبوزيد تكتب : إسرائيل كَمُراقِب..!
“يمضي الرمادُ إلى الرمادِ ودائماً.. قمرٌ يُضيء ونحن بِضُع أهِلَّه.. فاسمع عَدوَّك فيكَ واسمع آدماً.. لتَرى تُريد عِناقَه أم قَتله”.. الشاعر أحمد بخيت..!
عندما أتى سيدنا سليمان – الذي كان يفهم لغة الطير والنمل – وجنوده وادي النمل، قالت نملة “يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ”، فتبسم ضاحكاً من قولها وأمر جنوده بالوقوف حتى دخلت وجماعتها مساكنهم. سيدنا سليمان كان يمشي وهو يسمع أطرافاً من أحاديث النمل وغيره، لكن الذي استوقفه في حديث تلك النملة أنها قد ذكرته “بالاسم”، فاكترث لسماع الحديث وأتى بردة فعل. ولو كان الذي يفهم لغة النمل عدوّاً للنمل لكان ذكر اسمه مقروناً بذلك التحذير سبباً في هلاكه قبل أن يبلغ مساكنه..!
في أيام حكومة الإنقاذ كان أئمة وخطباء المساجد يؤكدون أن الضائقة المعيشية وصفوف الخبز والوقود هي مصائب وابتلاءات تنَزَّلت بسبب تطبيع العلاقات مع الإدارة الأمريكية، ناهيك عن الدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل التي كانوا يتساءلون عن فوائدها. مع أن السؤال الأكثر إلحاحاً هو “ماذا سيخسر السودان بمعاداة إسرائيل” التي كانت بدورها تسمع دبيب النمل في كل مكان، ناهيك عن خطب الأئمة، وتصريحات الرؤساء والوزراء، ولسان حال شعب بأكمله تجاه واقع وجودها في أرض فلسطين. وقد كان يسعدها بطبيعة الحال أن تزيد النار حطباً..!
ثم جاءت هذه الحكومة الانتقالية وأعلنت عن عزمها تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فخالفها أقصى اليمين السياسي، وخالفها أقصى اليسار السياسي، وانقسم الشعب بين مؤيد ومعارض، كلٌ على حسب مذهبه السياسي. ربما لذلك ظل الجُمُود – أو عدم التطوُّر إن شئت – مُلازماً لطبيعة تلك العلاقات بعد الإعلان عن تطبيعها..!
إسرائيل – وقبل أن تسعى لأن تكون عضواً مراقباً في الاتحاد الأفريقي – ظلت على الدوام كياناً مُراقباً للكيان الأفريقي الكبير، باعتبار أن ما يحدث فيه أو يصدر عنه يُؤثِّر بصورةٍ أو بأخرى على مصالحها الاستراتيجية، وطموحاتها السياسية، ومطامعها التوسعية في الشرق الأوسط وفي أفريقيا أيضاً..!
وعلى الرغم من محدودية دور الدولة المُراقب في صناعة واتخاذ القرار، يبقى نجاح إسرائيل في دخول الاتحاد الأفريقي مكسباً سياسياً، وتمدداً في حدود الفراغ الممكن، واقتراباً ملموساً يفتح لها باب الاستثمار في هذه الكتلة الأفريقية – ذات التاريخ الداعم للقضية الفلسطينية – بتحييد مواقفها إذا دعى الأمر. بدءاً بالتصويت لصالح القرارات التي تخصها، ومروراً بمعاونتها في “العكننة” على مصر وتعكير مزاجها بشأن حصتها من مياه النيل ومآلات عمليات ملء سد النهضة، وانتهاءً بفتح أبواب السوق الأفريقية أمام مشاريعها التجارية والزراعية..!
أما السؤال الذي يشغل بال الإعلام الخارجي والتحليل الصحفي الداخلي – على حدٍّ سواء – فهو كيف سيؤثر وجود إسرائيل كعضو مُراقب في الاتحاد الأفريقي على مصالح السودان. يعني بالعربي الفصيح “كيف سيكون موقف إسرائيل من السودان في حال اتمام هذه الخطوة مُستقبلاً”؟. والحقيقة أن الإجابة على هذا السؤال تتوقّف بدورها على موقف السودان الرسمي من جهة، وموقف قواه السياسية على تباينها من جهة أخرى..!
موقف السودان الرسمي هو المُوافقة ضمنياً، لأنه لم يكن ضمن الدول السبع التي دفعت بمذكرة احتجاج على وجود إسرائيل، ولأنّه لم يكن ضمن الدول الخمس التي أيّدت ذلك الاحتجاج، ولأنّه قد بَاتَ يُعتبر رسمياً ضمن الدول العربية الست التي ترتبط بعلاقات رسمية مُعلنة مع إسرائيل. وعليه فهي وإن لم تقم بالدعم اللازم، فإنّها على الأقل لن تسعى لإلحاق الضرر..!
أما فيما يخص القوى السياسية الرافضة للتطبيع داخل المنظومة السياسية في السودان، فإنها قد لا تتوانى عن استخدام أياديها الخفية لإقصائها عن واجهة المشهد السياسي الراهن في السودان. وهنا قد تكمن الخطورة. أنا فقط أحاول أن أجيب على السؤال، ولك أن تقبل اجتهادي في الإجابة، ولك أن ترفضه إذا شئت..!
مُنى أبوزيد
[email protected]