عبد الله مسار يكتب: مواقف ومشاهد وأحداث في ولاية نهر النيل (٥)
في دورة من دورات تكوين الحكومات الولائية، قرّر المؤتمر حل الحكومات الولائية لتغيير بعض منسوبيه من الوزراء والمعتمدين، وأُخطر الولاة بذلك، وقُمت بإعفاء الوزراء والمعتمدين وجئت الخرطوم لعقد اجتماع مع قيادات الدولة للتفاكر حول الترشيحات، وفعلاً عُقد اجتماعٌ معي بحضور وزراء من أبناء الولاية وكانت لديهم ترشيحات يرغبون من الوالي تعيينها، وقلت لهم أنا لديّ اربعة من شاغلي المناصب ومن المؤتمر الوطني وهم وزير المالية وكان هو الأخ الزين الحادو وهو اقتصادي كارب وهو من أبناء الجزيرة منطقة الشرفة.
والثاني الأستاذ الخير أبوزيد معتمد أبو حمد أرفعه الى وزير التربية والتعليم لأنه من منطقة مُهملة.
والثالث اللواء الركن الفاتح عبد المطلب وكان معتمداً لمحلية شندي، لأنه كان شيخ عرب وقطعت رجله في العمليات بجنوب السودان.
والرابع الأستاذ محمد الماحي كان معتمد المتمة وقبلها كان معتمد بربر، وكان رجلا صاحب مبادرات ومبتكرا، وكان رجلا حضورا في كل شيء، وكان من المعتمدين المميزين وهو من أبناء النيل الأبيض.
قالوا لي طيب دايرنا نعمل شنو بعد كدا؟ قلت لهم الوالي أعرف بالرجال الذين يعملون معه.
الموقف الآخر، عيّنت الأخ مبارك عباس معتمدا لمحلية أبو حمد وهو من قيادات الولاية المُهمّة، بل من القدامى في محلية أبو حمد، وكان رجلا فحلا ومصادما وصاحب رأي ومواقف ورجل بر، وكان ضابطاً بالقوات المسلحة متقاعداً، وكان رجلا مبدعا بالذات في مجال زراعة التمور له أدوار واسعة وكبيرة في المنطقة، ولديه علاقات مُميّزة مع أهل أبوحمد وهذه المواقف جعلته يفوز في آخر مجلس وطني بدائرة أبو حمد (مستقل).
وكانت في أبو حمد قضية سد مروي هاجساً لأهل محلية أبو حمد، وبصفة خاصة أهلنا المناصير الذين تضرّروا من السد وكان لديهم خيار التعويض المحلي أو المكابراب، وكانت هنالك لجنة قومية برئاسة رئيس الجمهورية، الوالي كان عضواً فيها، وكان الأخ مبارك عباس متعاطفا مع المتضررين، وقلت له يا مبارك قضية السد قضية قومية لا علاقة لها بها إلا في إطار اجتماعات اللحمة القومية لا تتدخّل فيها، ولكن لأنّ رجلاً من المنطقة وقدامى قال لي أنا ما بقدر بخلِّي أهلي ولذلك قررت إعفاءه وتقبّل الأمر بصدرٍ رحبٍ، ومازالت علاقتي به قوية ولم يؤثر هذا القرار على العلاقة بيننا. وهذا الموقف أكسبه ثقة كل أهل أبو حمد مما جعله يفوز مستقلاً للمجلس الوطني.
الموقف الثالث
عند حضوري لأول مرة للولاية بعد قرار التعيين وعند وصولي إلى مدخل الدامر، كان في استقبالي الوالي السابق وقيادات الولاية وقيادات القوات النظامية وكبار موظفي الولاية، وكان من بين الوقوف الأخ المرحوم مدني وكان متعهد الغذاءات لبعض مرافق الدولة، فلما سلّمت عليه قلت له إنت مدني المتعهد؟ قال نعم، قلت له من يوم غدٍ “تاني ما تجيب أي مواد تموينية لحكومة الولاية فاهم”، قال تمام. وبعد ما انفض سامر المستقبلين، قال لخاصته “واليكم دا مُفتِّح وواقع من السماء وجايب معه كل اخبار الولاية عليّ الطلاق نقشني من أول مرة الله يسترنا معه”، والمرحوم مدني رجل ضخم ولكن من ظرفاء المدينة ورجل مشارك وخدوم وصاحب دعابة، ويحكي عنه كثير من سكان الدامر أنه قضاء حوائج ربنا يرحمه ويغفر له .
نهر النيل هي نيلٌ من الخير والخيرات، فهي ودودٌ.. لها ولشعبها التّحية والاحترام.