د. يوسف الخضر أحمد يكتب : سلام دارفور يكمن في إطار القومية السودانية
في ظل هذه الظروف السياسية المعقدة عقب نجاح ثورة ديسمبر المجيدة وسقوط نظام الإنقاذ كان حلم جميع السودانيين بتنوعهم وتعددهم الثقافي وتقاليدهم وعاداتهم التفاعل من أجل صنع مستقبل واعد لبلدهم ونشر الوعي وتحرير الإرادة وتحويل الخيال إلى حقيقة والمستحيل إلى واقع في بلد مزقته الأطماع السياسية والتمرد والدوافع الشخصية والقبلية والجهوية والنفاق باسم الدين والاستلاب الثقافي والاضطهاد والتهميش كان الحلم الخلاص والانعتاق وتحقيق الديمقراطية بمعالم خارطة سياسية جديدة تؤسس لعمل سياسي مستقبلي يجمع كل أهل السودان من أجل التقدم والرفاهية والديمقراطية ورغم كل ذلك إلا أن الواقع الجديد بعد نجاح ثورة ديسمبر اتسم بالتخبط السياسي والصراعات والانقسامات بين مكونات الثورة التي أضحت جرحاً نازفاً في جسد المجتمع السوداني الأمر الذي قد يؤدي إلى الانقسامات والتمزق والعودة للماضي، فالأمر في السودان والواقع يترتب عليه إصلاح القطاع الأمني وهيكلة جميع مؤسسات الدولة وتنفيذ الترتيبات الأمنية وبناء جيش قومي بعقيدة وطنية جديدة ملتزمة بحماية الوطن والدستور والقانون تماشياً مع الواقع الثوري الجديد، إلا أن الطامة في اتفاقية سلام جوبا التي أدت إلى الكثير من المشاكل والتعقيد في الساحة السياسية بعد وصول هذه الحركات إلى العاصمة الخرطوم والولايات حيث بدأ مسلسل الاستقطابات والانشقاقات وهي السمة البارزة لحركات كفاح دارفور المسلحة عقب كل اتفاقيات السلام ودونك المئات من اتفاقيات السلام التي وقعت في عهد الإنقاذ مع العديد من هذه الحركات وكانت المحصلة العودة مرة أخرى للتمرد وينطبق ذلك تماماً على حركة تحرير السودان جناح مني أركو مناوي وغيره من الحركات. وطبيعة هذه الحركات المسلحة عدم الالتزام بالقانون بطبيعة تكوينها القبلي وعدم وجود قوانين رادعة يخول لقادتها المحاسبة وخاصةً أن تلك الحركات المنشقة ولدت على أساس اختلافات شخصية بين قادتها، لذا ما يحدث الآن من انتهاكات من قبل بعد هذه الحركات المسلحة وخاصةً الموقعة على سلام جوبا الثنائي بالرغم من وجود قادة هذه الحركات في مناصب عليا في الدولة إلا أن مسلسل الإنتهاكات وعدم احترام القانون أصبحت السمة البارزة لحركات سلام جوبا من اعتداءات على المواطنين والمزارع وقطع الطرق واحتجاز الصحفيين والاستيلاء على مباني المؤسسات. وتطور الأمر إلى ظهور قوات غير نظامية (رتاج) يمتلكون بطاقات وسيارات بلوحات خاصة فهل يعني هذا بأن هنالك قوات نظامية خارج الحاضنة الأمنية الأمر الذي أدى إلى ظهور عصابات وجماعات مسلحة تنتحل صفة القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى وتمارس الابتزاز والإرهاب ضد المواطنين داخل العاصمة الخرطوم والولايات وتتحمل الحكومة كل هذه الكوارث والانفلاتات الأمنية لعدم التزامها بالجدول الزمني المحدد لتنفيذ اتفاقية سلام جوبا وخاصةً الترتيبات الأمنية مما أدى إلى استقطاب الأفراد من قبل هذه الحركات الموقعة على سلام جوبا الثنائي ومن الغرائب أن يصرح حاكم دارفور مني أركو مناوي بهذه الطريقة عن قيادات الحرية والتغيير (البياكل لوحده بخنق) هذا التصريح يترك تساؤلات عديدة: هل يستطيع مني أركو إقناع الحركات غير الموقعة لاتفاقية سلام جوبا التوقيع على السلام ومنها حركة تجمع قوات العدل والمساواة وبعض الفصائل المتمردة من حركة تمازج والجبهة الثورية المتحدة وجيش تحرير السودان وغيرها من الحركات. إضافةً إلى بعض القيادات من أبناء دارفور وبعض القبائل التي أعلنت رفضها لهذه الاتفاقية باعتبارها ثنائية. ومن جهة أخرى ماذا قدم مني أركو لدارفور والنازحين واللاجئين الذين تم حرق قراهم وإبادتهم من قبل البشير وأعوانه من أبناء دارفور هل استطاع أن يرد لهم حقوقهم عندما كان رئيساً للسلطة الإقليمية لدارفور؟ الواضح حتى الآن ليس هنالك برنامج واضح لحاكم دارفور سواء من الناحية السياسية والأمنية والاقتصادية أو السعي لتحقيق السلام والاستقرار، فهذه ساقية جحا دارت مرةً أخرى ويعلمه القائد مني أركو منذ توقيعه على اتفاقية أبوجا الفاشلة التي لم تعالج جذور المشكلة والتي رفضها النازحون واللاجئون وكل أهل السودان فاتفاقية جوبا نموذجاً لاتفاقية أبوجا وردة للمرة الثانية لحاكم دارفور مني أركو والغريب في الأمر أن كل قادة الحركات المسلحة الدارفورية الذين وقعوا على اتفاقيات سلام مع نظام الإنقاذ لم يحدثوا أي إنجازات أو تنمية في دارفور بل بعضهم لم يزر دارفور البتة فجل همهم العاصمة والعربات الفارهة وبناء العمارات والتصريحات الكاذبة الذي من أجله حملوا السلاح بقصد التهميش والظلم والعنصرية. وما حدث في منطقة (كوليق) في محلية طويلة يعتبر انهزاماً صريحاً لاتفاقية جوبا الثنائي ومؤشراً خطيراً لعدم الفهم من قبل الحركات الموقعة على هذه الاتفاقية التي تنحصر في اتجاه واحد بديلاً لإشراك أهل المصلحة إضافةً إلى أن مشاكل السودان تاريخية الأصل لا تحل في إطار منطقة دون سواها فقبل اتفاقية جوبا كانت دارفور عامةً تعيش في سلام تدريجي واستقرار أمني بفضل مجهودات قوات الدعم السريع التي فرضت السيطرة الكاملة على كل دارفور بعد دحر حركات التمرد، ولم تكن هنالك سوى تفلتات أمنية فردية بين الراعي والمزارع ولكن ما نراه اليوم في ظل تفلتات الحركات المتمردة الموقعة على سلام جوبا يعني العودة إلى مربع 2003م.
الفريق أول محمد حمدان دلقو قائد قوات الدعم السريع كان له الفضل الأكبر والدعم والمساندة الذي أدى إلى نجاح اتفاقية سلام جوبا مع الحركات المسلحة لإيمانه بأن السلام هو الطريق الوحيد لاستقرار الأمن في دارفور والسودان ولم يكن سلام جوبا هو الإنجاز الأول للفريق أول حميدتي فمنذ العهد البائد لم يدخر الرجل جهداً ولم يهدأ له بال سعى بكل ما يملك من إرادة صادقة لجمع الصف في دارفور وإجراء المصالحات بين القبائل والدعوة لعودة دارفور إلى سيرتها الأولى، ساند وآزر كل زعماء قبائل دارفور معنوياً ومادياً بإعمار كل ما دمرته الحرب من مساجد ومدارس ومستشفيات بل ذهب إلى أبعد من ذلك حيث ساند كل المصالحات بين قبائل السودان من أجل السلام.
ويعد الفريق حميدتي من أصدق القادة من أبناء دارفور من حيث القول والوعد والفعل والعمل والحضور الدائم في كل المنازعات في دارفور والسودان عامة، تحمل كل أعبائها من أجل السلام والوحدة وجمع الصف ولو ارتقى كل قادة دارفور وقادة الكفاح المسلح لمستوى أعمال وصدق الفريق حميدتي لعادت دارفور لسيرتها الأولى في أيام معدودات وهذا ليس مدحاً وليس ذماً للآخرين إنما هو الحقيقة الماثلة الذي لا ينكره إلا مكابر أو أصحاب المصالح والفتن من أبناء دارفور وغيرهم الذين يحملون درجات علمية عليا ولا يستطيعون سوى التفكير في المناصب والكراسي وزرع الفتنة والقبلية والخضوع للعمالة والارتزاق والنيل من قوات الدعم السريع الذي يتبع للقوات المسلحة والذي أصبح الآن حاضنة لكل أبناء السودان دون تمييز يؤدي واجباته بكل إخلاص وتفانٍ عوناً وسنداً للمواطن وغصة في حلق الأعداء وتجار البشر والمخدرات وهو الضامن الوحيد للوصول إلى انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.
وأخيراً الملاحظ أن كل اتفاقيات سلام دارفور تنحصر في إطار قبلي وعنصري تفضي إلى الفشل والعودة إلى المربع الأول لأن أساس اتفاقيات السلام الناجحة تعود إلى الحل في إطار الدولة الموحدة.