الإخوان ماكرون أكثر من ماكرون في علاقته بالضغط على الساسة اللبنانيين المفسدين. في الميديا الحديثة وقع كثيرون في فخ تتفيههم للمواضيع، ومحاولات الاغتيال الأدبي للشخصية العامة، ونشر الشائعة، والانشغال بتوافه الأمور.
أهداف الجماعة المنهزمة محددة: تمزيق صورة أي موظف عام، وتفجير كل معنى للحوار الديمقراطي الراقي، واعتماد التجريح الشخصي وسيلة لتدمير جهد أي شخص يتقدم للإسهام في العمل العام.
صحيح أن الخلافات وسط القوى السياسية تنعكس على لسان الذين يؤيدونها، أو المؤمنين بخطها، بكثير من المراجعة النقدية الهادفة، وهناك الأخرى المهاترة. ولذلك دائما ما تستخدم الميديا للثأر السياسي مثل استخدام الأطراف الإقليمية، والدولية، بعض الدول ساحةً لتصفية حساباتها على جثث المواطنين.
ومنذ حين تستعر في وسائط التواصل الحرب الخفية لتصفية الخلافات السياسية بتحريك الشائعة، والوقيعة، من طرف ثالث منظم، أو دونه. وإذ نشهد الآن انسياقا اعتباطيا وراء تحقيق أهداف الفتنة التي يحركها جحافل الفلول التي احترفت التزوير، والفتنة، والكذب، فالواضح أنه ليس هناك من يملك مصلحة في شغل الناس عن القضايا الأساسية سوى بعض الإسلاميين، وكذلك بعض الذين فقدوا الامتيازات.
نعم يستحق الموظف العام النقد متى ما تنكب جادة الطريق، ولا قداسة لمسؤول عند زمن الحرية. ولكن هناك فرقا واضحا بين النقد، واغتيال الشخصية أدبيا، ومعنويا.
وهذا التوجه لإفساد المناخ السياسي بدأ حتى قبل قيام الحكومة، وشاهدنا حملة منظمة ضد رموزها التي اختارتهم قوى الحرية والتغيير. عمر القراي حاول تصفية مناهجهم من التطرف، والركاكة، والضعف، فعمدوا لقلعه من منصبه عبر حملة مسعورة لتشويه شخصيته. محمد علي التوم سعى لإعادة دور التربية والتعليم إلى مجدها فمهدوا له بضرب أحد مساعديه. أما أكرم الذي سعى لتعطيل إحدى ترسانتهم الاقتصادية فقد وجد نفسه خارج الحكومة. وفي كل هذا كانت مواقف حمدوك الاستجابة للابتزاز السلفي، والإسلاموي، والتخلي عن هذا النفر المعروف بهمته الثورية.
ذلك النجاح الذي حققه الفلول شجعهم للاستمراء في نهج غزو المنابر بالشائعات، وابتدار حملات منظمة ضد كل القادة المدنيين الذين يسيرون الفترة الانتقالية. ولأن هذه الحملات تستفيد من الخلافات البينية وسط القوى السياسية حول قضايا الانتقال فإنها لن تتوقف الا بانتباه نشطاء التنظيمات السياسية التي لديها مصلحة في التغيير. فالخاسرون من كل هذا التهجم على قادة الانتقال المدنيين هم جميع القوى الراغبة في استدامة الديموقراطية بالجدل المفيد للإصلاح الوطني. أما الناجحون في المسعى فهم أولئك الذين يهيئون المناخ للفوضى بهدف إفشال الفترة الانتقالية.
لاحظنا أنه متى ما استهدف الفلول موظفا منتميا لحزب الأمة، أو الشيوعي بنقد غير موضوعي، ومحاط بالسخرية، تحولوا إلى آخر بعثي ثم مؤتمر سوداني ثم قيادي في الحركات المسلحة. وهكذا يشغلون وسائل التواصل الاجتماعي، ويتلقف ناشطون غاضبون الشرارة دون وعي.
فلتخطئ هذه الموظفة، أو ذلك الموظف، ففي الديمقراطية ألف إمكانية للنقد لإصلاح الاعوجاج على قاعدة النقد الموضوعي. والناس تتعلم من أخطائها في مناخ الحرية، وتحاسب أيضا.
ولأن مخطط الفتنة الجهوية قد فشل تختلط الآن حملة الكيزان لتشويه الممارسة الديمقراطية مع النقد الذي لا يتخذ الإصلاح سبيلا. وفي النهاية يتخلق جو من الكراهية تجاه كل الأفراد الذين يديرون الشأن العام.
قررت منذ فترة ألا انساق وراء حملة استهداف الموظفين الحكوميين عند ارتكاب خطأ. ذلك حتى لا أقع فريسة في مشروع التشويه الذي يبدأ بتجاوز صغير، ثم يتحول لأمر يتعلق باغتيال شخصية الموظف العام محل الجدل.
السعار الإسلاموي لتفجير التغيير لن يتوقف ما دام كل يوم يمر ليس في صالح الإخوان المسلمين، ولكن المؤسف أن كثيرا من الكتاب، والناشطين، واقعون تحت تأثير هذه الحملات، والأمثلة أكثر من أن تحصى.
الإخوان المسلمون معروفون باستخدام نهج سياسي متجاوز للأعراف السودانية، ولا يتعاملون بالمواقف السياسية التقليدية، ولا يوجد هناك سقف أخلاقي لم ينتهكوه. ولهذا نجحوا في تشويه الممارسة الديمقراطية الثالثة عبر صحفهم الصفراء، والآن يهدفون إلى استعارة ذلك النوع من السياسة الرخيصة لتعميق الخلافات السياسية وسط المكونات الثورية، وضربها بعضها بعضا. مرحبا بمزيد من النقد لكل المسؤولين بالقدر الموضوعي الذي ينمي الحوار الديمقراطي، ولا لحملات اغتيال الشخصيات العامة، والتي تستهدف اصلاً ثورة التغيير.