لا يخالجني أدنى شك في أن الإعلام يعد السلطة الأولى بكافة أنواعه وأشكاله المختلفة «مكتوب ومشاهد وإلكتروني»، ولو أن المسؤولين في الحكومة يتابعون البرامج الحوارية، وما يطرح فيها من قضايا حية ويضعون أدنى اعتبار للحلول التي تطرح من قبل معدي البرامج وكتاب الرأي والصحفيين والمحللين السياسيين والإعلاميين عمومًا، ولو أن الوزراء يستقون برامجهم ويستهدون في عملهم بالحلول المنهجية والعلمية والعملية التي تطرح بشكل يومي في هذه الوسائط لكنا قد عبرنا وانتصرنا فعلاً وليس قولاً. كنت ومازلت مولعاً بالبرامج التلفزبونية التي تنقل تجربة القادة والمشاهير والدول ومنها برنامج شاهد على العصر الذي تبثه قناة الجزيرة الفضائية، هذا البرنامج جعلنا نتعرف عن قرب على كثير من القادة العظماء والمشاهير وأشخاص لعبوا أدوارًا مختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية في بلدانهم بل في العالم الإسلامي والعالم أجمع، وقد تعرفنا على دول كنا نجهلها ولا نعلم سر نهضتها وتقدمها وتفوقها وتحديها لكثير من الصعاب والمطبات الداخلية والخارجية، مثل ماليزيا هذه الدولة التي كانت تعتمد على الزراعة نهضت حديثاً بعد أن كانت دولة فقيرة وحكومة فاشلة فاسدة تعيش حالة من الانقسام والصراع الداخلي بين ثلاث قوميات من جهة ومسلمين وغير مسلمين من جهة أخرى، تجربة ماليزيا ملهمة ونموذج متفرد يمكن ان يعتد بها، علينا أن نستلهم تجربة مؤسس النهضة الحديثة الدكتور مهاتير محمد الطبيب الجراح وصاحب نهضتها التعليمية والاقتصادية والتنموية، وعلينا أن نأخذ منها الدروس المستفادة والعبر وسر النجاح، وكيف أن هذا الرجل استطاع أن يضع لبنات قوية اقتصادية واجتماعية ومن أقواله المشهورة ” إن اللّه لا يساعد الذين لا يساعدون أنفسهم” وسر النجاح يكمن في النظام التربوي وقد استفاد من التجربة اليابانية في هذا الجانب والتاريخ يحكي كيف استطاع الماليزيون خلال عقدين من الزمن أن يخفضوا نسبة من هم تحت خط الفقر من 52% إلى 5% فقط، وكيف نجحوا في رفع متوسط دخل الفرد من 1200 دولار في العام إلى 8900 دولار خلال عقدين، إذاً سر النجاح يكمن في النظام التربوي والذي اعتمد فيه على التوجه شرقاً، ويقول مهاتير في ذلك (لقد شيدت لشعبي منظومة تعليمية عملاقة لا تتأثر بنوائب الدهر وتقلبات الزمن، وأنا أجني ثمارها اليوم، علمت شعبي معنى الإسلام والتسامح ونبذ التعصب وحب العمل والاتقان وعشق الوطن. عندما سئل عن كيف حولت ماليزيا من دولة فقيرة لدولة قوية اقتصادياً أجاب (ابتعدت عن صندوق النقد الدولي). مهاتير يجب أن يكون قدوة لحكام اليوم.
من المفارقة العجيبة والسودان بلد غني بموارده الزراعية والمعدنية والبشرية يعيش أغلب مواطنيه تحت خط الفقر المدقع بسبب الاستسلام الحكومي الكامل لشروط صندوق النقد الدولي المجحفة واعتماد الطاقم الحكومي على الحلول المستوردة والسهلة من رفع للدعم عن المحروقات والأدوية ودقيق الخبز حتى مدخلات الإنتاج مما فاقم من الأزمة الاقتصادية، كل البلدان المتقدمة نهضت بالتعليم ونحن لدينا وزارة التعليم بلا وزير منذ شهور ولا يوجد منهج تعليمي وحتى المرحلة المتوسطة التي أدخلت حديثاً في السلم التعليمي لم تطبع لها الكتب ولم يدرب لها المعلمون ولا توجد مدارس تؤوي الطلاب فكم نحن بحاجة الي مهاتير سوداني.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل