عبدالله مسار يكتب: رُب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره
قال مالك بن دينار دخلت البصرة يوماً فوجدت الناس اجتمعوا في المسجد الكبير يدعون الله من صلاة الظهر إلى صلاة العشاء ولم يغادروا المسجد، فقلت لهم ما بكم، فقالوا أمسكت السماء ماءها وجفّت الأنهار ونحن ندعو الله أن يسقينا، فدخلت معهم يصلون الظهر ويدعون والعصر ويدعون والمغرب ويدعون والعشاء ويدعون ولم تمطر السماء قطرة وخرجوا ولم يستجب لهم وذهب كل منهم داره وقعدت في المسجد ولا دار لي فدخل رجل (أسود)، (أفطس) أي صغير الأنف، (أبحر) أي كبير البطن (عليه خرقتان) ستر عورته بواحدة وجعل الأخرى على عاتقه، فصلى ركعتين ولم يطل، ثم التفت يميناً ويساراً ليرى هل هنالك من أحد فلم ير أحداً فرفع يديه إلى القبلة وقال إلهي وسيدي ومولاي حبست القطر عن بلادك لتؤدب عبادك فاسألك يا حليماً ذا أناة يا من لا يعرف خلقه منه إلا الجود أأذن أن تسقيهم الساعة الساعة الساعة.
يقول مالك فما أن وضع يديه إلا وقد أظلمت السماء وجاءت السحب من كل مكان فأمطرت كأفواه القرب.
يقول فعجبت من الرجل.
فخرج من المسجد فتبعته، فظل يسير بين الأزقة والدروب حتى دخل داراً فما وجدت شيئاً أعلم به الدار إلا من طين الأرض، فأخذت منها وجعلت على الباب علامة، فلما طلعت الشمس تتبّعت الطرق حتى وصلت إلى العلامة فإذا هو بيت نخاس يبيع العبيد.
فقلت يا هذا إني أريد أن اشتري من عندك عبداً، فأراني الطويل والقصير والوجيه، فقلت لا لا أما عندك غير هؤلاء، فقال النخاس ما عندي غير هؤلاء للبيع، ويقول مالك وأنا خارج من البيت وقد يئست رأيت كوخاً من خشب بجوار الباب فقلت هل في هذا الكوخ من أحد، فقال النخاس من فيه لا يصلح، أنت تريد أن تشتري عبداً ومن في هذا الكوخ لا يصلح، فقلت أرني إياه، فأخرجه لي فلمّا رأيته عرفته فإذا هو الرجل الذي كان يصلي بالمسجد البارحة.
قلت للنخاس اشتريه، فأجابني لعلك تقول غَشّني الرجل، هذا لا ينفع في شيء ولا يصلح لشيء، فقلت اشتريه، فزهد في ثمنه وأعطاني إياه، فلما استقرّ بي المقام في بيتي رفع رأسه اليّ وقال يا سيدي لِمَ اشتريتني؟ إن كنت تريد القوة فهناك من هو إقوى مني، إن كنت تريد الوجاهة فهناك من هو أوجه مني، وإن كنت تريد الصنعة فهناك مَن هو أحرف مني
فلِمَ اشتريتني؟
قلت يا هذا بالأمس كان الناس في المسجد وظلت البصرة كلها تدعو الله من الظهر إلى ما بعد العشاء ولم يستجب لهم، وما أن دخلت أنت ورفعت يديك إلى السماء ودعوت الله واشترطت على الله حتى استجاب الله لك وحقق ما تريد، قال العبد لعله غيري ما يدريك أنت لعلّه رجلٌ آخر.
فقلت بل أنت. فقال العبد أأعرفتني، فقلت نعم.
فيقول مالك فوالله ما التفت بعدها إنما خرّ ساجداً فأطال السجود فانحنيت عليه فسمعته يقول (يا صاحب السر إن السر قد ظهر فلا أُطيق عيشاً في الدينا بعدما اشتهر) ففاضت روحه إلى باريها.
اللهم اجعلنا من عبادك الأنقياء الأتقياء
رُب أشعت أغبر لو أقسم على الله لأبره.