الخرطوم الطيب محمد خير
خلال اليومين الماضيين اندلعت المعارك في منطقة المقينص بولاية أعالي النيل الحدودية مع السودان بين فصائل داخل الذراع العسكرية للحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة نائب رئيس جنوب السودان رياك مشار عقب إعلان خصوم مشار بقيادة الجنرال سايمن غاتويتش دوال المنافس له في الحزب عزله من رئاسة الحزب وجناحه العسكري بعد اتهامه بالفشل في تمثيل مصالحهم، معارك وإن دارت في جنوب السودان إلا أن تأثيرها المباشر على اليودان وضح قبل أن تتلاشى روائح البارود من الأجواء فقد تحدثت حركة مشار فور انجلاء المعركة عن دخول قادة مناوئين لها الأراضي السودانية.
اتهام
قيادة الجيش الشعبي لتحرير السودان الموالية للدكتور رياك مشار قالت في بيان أصدره القائد بول لام غبرائيل عقب اندلاع المعارك إنه تم إجلاء القياديين “دوال” و”جونسون” إلى السودان وأنهم طالبوا من حكومة السودان الحفاظ على حيادها من خلال إبقاء الاثنين داخل السودان وعدم السماح لهما بالعودة والتسبب في مزيد من انعدام الأمن في المنطقة.
خلفية
وربما جاء الحديث عن دخول القائدين الى السودان على خلفية ما قامت به الحكومة السابقة في أغسطس من العام 2016 عندما قامت بإجلاء رياك مشار نفسه بعد الحرب التي اندلعت بينه وحكومة سلفاكير في جوبا وعندها ساعدت الخرطوم مع الأمم المتحدة على إجلاء رياك مشار عبر الكنغو ليتلقى العلاج في أحد مشافي العاصمة ومن ثم استمرار إقامته بالخرطوم لحين التوصل لاتفاق عاد بموجبه نائبًا لسلفاكير.
نفي
رداً على حديث الحركة الشعبية نفت وزارة الخارجية السودانية وجود قيادات منشقة على أراضيها وشددت على حياد السودان ولن يسمح بأي نشاط مسلح داخل الأراضي السودانية من أي طرف ضد الآخر وأن استقرار جنوب السودان هدف استراتيجي.
تاريخ
ويرى مراقبون أن إشارة القائد بول في بيانه لإجلاء القياديين اللذين قادا التمرد دوال وجونسون إلى السودان وطلبهما من حكومة السودان الحفاظ على حيادها، يعيد للأذهان الاتهامات التي كانت متبادلة بين السودان ودولة الجنوب في عهد البشير بإيواء المعارضين وأدت التوترات بسبب هذه الاتهامات لإغلاق الحدود لكن بعد الإطاحة بنظام البشير شهدت العلاقة بين البلدين انفراجًا محسوساً، ووصلت لدرجة أن رعت حكومة الجنوب اتفاق السلام الموقع بين الحكومة الانتقالية وحركات الكفاح المسلح ولا تزال.
وقال الخبير في قضايا التماس الحدودية عميد كلية انترناشل للعلوم د. محمد أحمد بابو إن طول الحدود بين السودان ودولة الجنوب البالغة حوالي الألفي كيلومتر ظل يشكل مصدر إزعاج وتوتر للعلاقة بين الدولتين منذ انفصال الجنوب بسبب أن جنوب السودان أصبح مأوى لكثير من الحركات المسلحة المعارضة كما أن السودان صار مأوى لحركات معارضة من جنوب السودان، وأوضح أنه في وقت سابق تم التنبيه وذلك منذ تأسيس دولة الجنوب لضرورة الاهتمام بتنمية المناطق الحدودية من قبل الدولتين لتكون جاذبة بتوفير الخدمات الضرورية وتشجيع تجارة الحدود لجعل المواطنين حصريين للحفاظ على الاستقرار وبالتالي يتم التأسيس لعلاقة حدودية جيدة محروسة بالمواطنين وليس الجيوش.
نقاط حدودية
وأضاف د. بابو في حديثه لـ(الصيحة)، لكن نقطة الاهتمام بالمناطق الحدودية أهملت من الدولتين وأصبحت مقراً لتمركز المسلحين من الدولتين لذلك من الطبيعي تكون هناك إفرازات ممثلة في المناوشات المسلحة على الحدود والتي تؤدي لتصاعد التوتر بين البلدين وزيادة تدفق اللاجئين وغيرها من التبعات التي لها انعكاسات سلبية سواء سياسية أو أدارية وتلغى بظلالها على العلاقة بين الدولتين.
وقال د. بابو إن مسارعة القائد بول الموالي لمشار بالحديث عن دخول القائدين دوال وجونسون إلى السودان وطلبهم من حكومة السودان الحفاظ على حيادها جاء نتاجاً طبيعياً لعدم الثقة في العلاقة بين الدولتين الذي كان موجودًا في عهد البشير رغم التقدم والطفرة التي شهدتها مؤخراً، ويضيف أن القائد بول أطلق حديثه هذا بصورة متسرعة رغم أن القانون الدولي يسمح بإيواء الفارين من مناطق القتال والجرحى وعلاجهم وتوفير الحماية لهم ولا يصح أن يفسر بأنه إيواء لمعارضين طالما القوانين والأعراف الدولية تمسح بها.
انقسام
ويقول المحلل السياسي والكاتب الصحفي الجميل الفاضل لـ(الصيحة)، إن القتال الذي نشب داخل حركة نائب رئيس دولة الجنوب رياك مشار هو انفجار نتيجة تصاعد الصراع بين القيادة السياسية للحركة التي يمثلها مشار والقيادة العسكرية التي يمثلها قائده العسكري دوال بعد أن أعلن الخبر عزل مشار من القيادة السياسية، وطالب الحكومة بالاستجابة بعزل مشار، لكن الانقسام في الحركة لم يكن كاملاً وأصبحت الحركة منقسمة وأوضح أن كفة مشار كانت أكثر ترجيحاً.
تجاوز الحدود
أشار الجميل إلى أن المواجهات المسلحة بين الطرفين امتدت لداخل السودان بدخول بعض المسلحين بآلياتهم وأسلحتهم، لذلك حكومة جنوب السودان وبالذات مشار إذا اعتبرت المواجهات أـن المجموعات التي دخلت للسودان قد اتخذت المناطق الحدودية السودانية نقاط انطلاق لها، وهذا وضع الحكومة السودانية في دائرة الاتهام بإيوائها مجموعة متمردة، ما دفع الخارجية السودانية لإصدار البيان لنفي وجود أي علاقة لها بهذا النزاع ودعت الطرفين للتهدئة والحفاظ على السلام.
تلميح
وأشار الجميل الى وجود اتهام خفي من قبل حكومة الجنوب بأن السودان لديه كروت لا يزال يحتفظ بها منذ النظام البائد، ويظهر من خلال خطاب رئيس دولة الجنوب سلفا كير في حفل توقيع اتفاق السلام السوداني مضيفاً أن هذه الإشارة لا تخلو من الحديث الاستخباري بأن الحكومة السودانية ذات شقين مدني وعسكري ولكل ميوله، وحديث سلفا هذا تظهره الشكوى التي جهر بها رئيس الوزراء في مبادرته بعدم وجود خطاب موحد في السياسة الخارجية.
واعتبر الجميل ما تضمنه بيان مجموعة مشار بأنه يحمل بشكل او آخر نوعاً التشويش في العلاقة بين الشمال والجنوب (على حد تعبيره)، وهذا ما دفع الحكومة السودانية للمسارعة لإصدار بيان لتوضيح موقفها ونفي الاتهام الذي حمله بيان القائد بول بإيوائها مسلحين بدخول قائد التمرد مع قواته وآلياته، وتساءل الجميل عما إن كان يستطيع تجريد المسلحين المتسللين لأراضيه من أسلحتهم ليدخلوا كلاجئين، ولاسيما أن هناك مناشدات لحكومة السودان بالتدخل لوضع حد لهذا القتال.