الخرطوم .. تغرق!
الخرطوم: صلاح مختار
ينزل الله الغيث ليصبح عند الناس نعمة, يحيي به الأرض بعد موتها. وفي حديث نبوي يقول (اللهم أسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً نافعاً غير ضار، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين). وتغنى للمطر كثير من المطربين حتى قال احدهم يا مطر عز الخريف.. بيد أن الامطار في وجهها الآخر يصاب به البعض لتكون عندهم نقمة وويل, ربما لأن المقادير تجري كذلك في الناس, سنوياً تضرب الأمطار ولاية الخرطوم ورغم ما تقوم حكومة الولاية من مجهود إلا أن الواقع يعكس غير ذلك، وعند هطول الأمطار يتكشف الوجه الآخر القبيح للولاية، وسوء التخطيط والتنظيم وحتى الإدارة وإهدار الاموال, لتتحول النعمة الى نقمة. ووزر ذلك لا تتحمله حكومة الولاية الحالية, وإنما تراكمات السابق وقصور النظر في التخطيط لهذه المرافق الهامة.
وكان والي الخرطوم في العهد البائد عبد الحليم المتعافي لا يرى في الخرطوم تخطيطاً مصرفياً يمكن عبره تصريف مياه الأمطار, وقال إن الحل الوحيد حسب وجهة نظره, إما أن تتسرب المياه إلى داخل الأرض, أو تتبخر بارتفاع درجة الحرارة, أما الحل الثالث عنده أن تتصرف المياه بواسطة لساتك العربات.
شبر موية
إذا كانت الولايات تغرق كل عام بسبب غزارة الأمطار فإن الخرطوم تغرق في (شبر ميه) كلما ضربت الأمطار أحياءها ومدنها. ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فإن الخرطوم تحاصرها مياه النيلين الأبيض والأزرق من كل اتجاهاتها, والأمطار من فوقها والفيضانات من تحتها. وطبقاً لإحصائيات رسمية، فإن فيضانات الأزرق والأبيض تسببت في تدمير أكثر من 5 آلاف منزل، فيما تعاني أحياء العاصمة المتمركزة على ضفاف الأنهر الثلاثة “النيل ورافداه، من فيضانات منذ نحو أسبوعين، لم تشهدها البلاد منذ 100 عام. فيما ارتفعت مناسيب النيلين ودخلت المياه الأحياء وقطعت الأودية الصغيرة التي تفصل بعض المدن الطرفية بسبب السيول.
تبعات الخريف
تخوّف مواطنون تحدثوا لـ(الصيحة) من تبعات الفيضانات التي ضربت ولاية الخرطوم, وقال المواطن أحمد علي إن الخوف من تكاثر البعوض والذباب إذا لم تقم حكومة الولاية بتصريف المياه ورش المدن بالمبيدات، ورأى أن الطريقة التي تعالج بها الأوساخ غير صحيحة، مشيراً الى تراكم كميات منها في الطرقات وداخل المدن الرئيسية بالعاصمة.
وطالب علي بإحياء سنة التكافل الجماعي في العمل من أجل دحر الأمراض ونواقلها من داخل الأحياء وخص بذلك شريحة الشباب، وقال: الذين ينتظرون أن تأتي إليهم الحكومة سيطول انتظارهم.
أمطار وسيول
مثلما حدث اليوم، فإن أحياء جنوب وشرق وشمال العاصمة الخرطوم شهدت أمطارا غزيرة مصحوبة بعواصف رعدية، وتزامن مع ذلك انقطاع للتيار الكهربائي مع تدفق كبير لمياه الفيضانات وشهدت مجاري السيول بالولاية تدفقات كبيرة لمياه الأمطار توقفت معها عملية سير المركبات.
وكشفت متابعات (الصيحة)، أن الأمطار أدت إلى تعطيل شبه كامل للحياة في العاصمة وإلى أزمة في المواصلات. وعزا سائقو المركبات السبب إلى وعورة طرق الولاية وتكدس مياه الأمطار فيها, وغرق البعض منها, فيما أغلقت بعض الأسواق وشهدت دواوين الحكومة غياباً شبه كامل في الموظفين.
واللافت في الأمطار الغزيرة التي ضربت الخرطوم أنها اخترقت حاجز مطار الخرطوم لتدخل حتى في طالة المغادرة لتشارك المغادرين في وداعهم, فيما ازدحمت مياه الأمطار بالمجاري والأنفاق وخاصة المهمة منها مثل نفق عفراء وبعض الطرق المهمة، ليزداد السوء سوءاً في الأحياء لتضيق الطرقات فيها، والمارة يتحاشون غزارة المياه.
ركوب الأمواج
بعض المواطنين وجدوا صعوبة في الخروج من منازلهم والوصول إلى أعمالهم في مدن الخرطوم, والمضطرون منهم ركبوا الأمواج للوصول إلى أقرب نقطة لديهم, ورغم المعاناة التي تصاحبها إلا أن البعض يرى فيها نعمة كبيرة فيما يرى أحد السائقين تحدثت معه ان الأمطار ترسل رسالة للحكومة حول مكامن الخلل. بعض السيارات ضلت الطريق فوقعت في حفر بالطريق العام فيما بدأت بعض الطرق في التأكل تحتاج إلى عمل كبير لترميمها ولذلك دعت الإدارة العامة لشرطة المرور السودانية عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، سائقي السيارات إلى توخي الحذر، وسط مخاوف من تأثيرها على سير المركبات.
تفاؤل وحذر
ويبدو أن والي الخرطوم أكثر في التفاؤل بشأن الخريف لذلك قال: العاصمة ستنجو وتخرج آمنة من الخريف هذا العام, غير أن الأمطار كذبت الوالي وخرقت قانون الأرض, وضربت بشدة مواطن الخلل, وأرسلت رسالة شديدة اللهجة وإنذاراً مبكرًا لحكومة الولاية.
وقالت حكومة الخرطوم في وقت سابق إنها ستفرغ مطلع يوليو المقبل من إكمال الاستعدادات لدرء الآثار المحتملة لخريف 2021م، بتكلفة كلية بلغت 3,792,637,991 جنيها وفرتها حكومة الولاية من مواردها الذاتية. وأكد والي ولاية الخرطوم، أيمن خالد نمر، أن حجم الأعمال في المصارف والتروس وصل إلى 90% من حجم العمل المطلوب في بعض المناطق، وأعلن عن تكوين وحدة طوارئ بالمحليات للتدخل الفوري، وأكد نمر في تنوير إعلامي، أن الخرطوم “ستنجو وتخرج آمنة من الخريف هذا العام”.
شبكة المصارف
ويبلغ الطول الكلي لشبكة مصارف المياه بالخرطوم نحو 1,643.14 كلم، موزعة على المحليات، والمشيد منها نحو 355.14 كلم باستخدام الحجر والخرسانة والطوب والمواسير الخرسانية. وكان رئيس لجنة إدارة طوارئ الخريف المهندس محمد المثنى حسن، أكد أن حكومة ولاية الخرطوم صممت خطة لدرء السيول والفيضانات والأمطار بالقياس إلى الأمطار التي سجلت في العام الماضي، 2020، وبلغت أعلى معدل لها في شهر يوليو، ووصلت إلى 116 ملم، وهي نسبة لم يسبق لها مثيل منذ ثلاثة عقود. وتوقعت منظمة إيقاد سقوط الخرطوم في هذا العام مدار الأمطار بنسبة ما بين (40 إلى 50 ملم). وأعلنت حكومة الولاية في فبراير الماضي عن تكوين لجنة لإدارة طوارئ الخريف، وبدأت عملها في مارس الماضي على أن تكمل مهامها بنهاية شهر يوينو.
مناطق الهشاشة
وكانت حكومة الخرطوم حددت (39) منطقة هشاشة، وعُرضة للتأثر بالسيول والفيضانات المتوقعة، وهي مناطق: توتي، الجريف غرب من الحارة الأولى حتى الرابعة، سوبا غرب، اللاماب حي البحر، العزوزاب، ود عجيب، الشجرة، الرميلة، المقرن، القلعة والمنورة، القبة من (1-15)، ود العقلي، الفتيح، أم عشر، قرى الشقيلاب، ديم البسطاب، الأحياء من الشقلة حتى القيعة، بركة الشاطئ، قوز نصير، أم عوينة، السليمانية والشقيلة، إلى جانب مناطق السروراب وإيد الولي، الشيخ الطيب، كرري البلد، المغاوير، الترس الغربي، الكوداب والحوشاب. وكشفت ممثل مدير الإدارة العامه للطوارئ ومكافحة الأوبئة جيهان عيسى، في تقرير منشور عن خطة الإدارة العامة للطوارئ، مشيرة إلى تنفيذ العديد من الأنشطة، والتخطيط لتدريب (120) شخصاً من فرق الاستجابة السريعة بالمحليات، وتدريب (150) متطوعاً من مناطق الحاجة للخدمات الصحية .