أم كلثوم .. في مقرن النيلين!!
كانت تفخر جداً بزيارتها للخرطوم و إعتبرتها من أجمل رحلات
في شهر فبراير 1968م .. أي قبل ثلاثة وخمسون عاماً من الزمان كانت سيدة الغناء العربي أم كلثوم قد زارت الخرطوم .. ونحن هنا نستعيد لتلك الزيارة وما تركته من آثار إيجابية حيث كانت هي الزيارة الأولي والأخيرة لكوكب الشرق إلي السودان .. ولذلك فإننا هنا نسترجع تلك اللحظات لنحتفي بهذه المناسبة ..ونتوقف في التوثيق المهم الذي كتبه المؤرخ والصحفي الجميل صلاح الباشا .. صاحب الذاكرة الحاضرة
أجمل الرحلات:
الكل يعلم .. بأن أم كلثوم وحتي وفاتها كانت تفخر جداً بزيارتها للخرطوم وقد إعتبرت تلك الزيارة من أجمل رحلات حياتها الفنية الناجحة والمتميزة .. مما دعاها بأن تطلب من الأستاذ الوزير عبدالماجد أبوحسبو بأن يهييء لها عدة دواوين شعر لشعراء السودان لتختار منها أغنية تغرد بها تقديراً وعرفاناً لشعب السودان في مواقفه العربية الصادقة المذكورة آنفاً .ولقد قامت السيدة بتسليم الأستاذ الموسيقار محمد عبدالوهاب كل دواوين الشعر السوداني ليتمكن من إختيار نص منها وليقوم بتأليف لحن مناسب له لتتغني به .
أغداً ألقاك:
وقد ظل عبدالوهاب شهوراً طويلة يطالع في الأشعار وأم كلثوم تلاحقه هل وجد نصاً مناسباً للغناء أم لا ؟ وذات مساء .. حضر عبدالوهاب إلي فيلا أم كلثوم بالزمالك وكان متأبطاً آلة العود .. وخرجت السيدة لإستقباله عند بوابة المنزل .. فوجه لها سؤالاً مباغتاً قائلاً لها أغداً ألقاك ؟؟؟؟ وهنا فهمت أم كلثوم بإحساسها العالي بأن عبدالوهاب قد وجد النص وقام بتجهيز اللحن أيضاً .. وإلا لما أحضر العود معه ، فردت عليه بطريقة أكثر دبلوماسية: ولماذا ليس الآن ؟؟؟ فجاء الإختيار من ديوان الراحل المقيم وشاعر السودان المتميز الأستاذ الراحل الهادي آدم حيث كان ديوان ( كوخ الأشواق ) من ضمن الكتب الشعرية التي رافقت أم كلثوم في رحلة العودة من الخرطوم إلي القاهرة.
طلب الأستاذ الهادي:
ارسلت السيدة في طلب الأستاذ الهادي الذي سافر إليها بالقاهرة لإكمال الإتفاق في شكله القانوني والأدبي النهائي .. كماجري تعديل طفيف في مفردات بعض الأبيات .. ثم لم تمر أسابيع معدودة وإلا نجد ام كلثوم تغرد بتلك الرائعة في حفلها الشهري الذي إعتادت علي إقامته بالمسرح القومي في القاهرة .. والذي كانت تنقله إذاعة القاهرة علي الهواء مباشرة ليستمع له عشاق فنها في كل العالم .. وصدحت
أغداً ألقاك ؟؟؟ ياخوف فؤادي من غدِ
يالشوقي وإحتراقي … في إنتظار الموعد
في الوجدان العربي:
إلي أن تصل إلي المقطع الذي تردده عدة مرات نظراً لإعجابها بمفرداته الجديدة ذات المضمون الأكثر رقة وفلسفة شعرية كا ظلت تحكي هي عن ذلك .. ليسكن في الوجدان العربي تماماً –
كم أناجيك .. وفي قلبي حنينُ ودعاء
يا رجائي أنا .. كم عذبني طول الرجاء
أنا … لو لا أنتَ … لم أحفل بمن راح وجاء
أنا أحياء في غدي الآن .. بأحلام اللقاء
فأت… أو لا تأت.. أو فأفعل بقلبيَ ما تشاء
وتبقي الذكريات:
ورحم الله أم كلثوم في ذكري رحيلها الثالث والثلاثين .. ورحم الله الأستاذ الهادي آدم الذي فارق الدنيا في نهاية نوفمبر 2006م الماضي … ورحم الله أيضاً موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب الذي رحل في يونيو 1998م …. وقد رحلت أيضاً كل تلك الرموز السياسية من القادة العرب … بما في ذلك رموز الخرطوم …. وتبقي الذكريات العطرة عن مؤتمر اللاءات الثلاثة .. بمثلما تبقي خالدة أيضاً زيارة كوكب الشرق للخرطوم بأغنيتها الخالدة ( أغداً ألقاك ).