النائب العام في الأبيض.. الاقتصاص للشهداء.. العدالة تمضي بثبات
الأبيض ــ محمد البشاري
الأوضاع في مدينة الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان أو كما يطلق عليها “عروس الرمال” خلال يوم أمس الأول كانت استثنائية، فلم يكن يوم الخميس يوماً عادياً كبقية الأيام لأنه شهد حدثاً استثنائياً وهو النطق بالحكم في قضية شهداء الأبيض التي راح ضحيتها (6) أشخاص غالبيتهم تلاميذ مدارس، الإجراءات الأمنية في المدينة ومنذ صباح الخميس الباكر كانت مشددة للغاية خصوصاً في الطرق المؤدية لمقر المجلس التشريعي لولاية شمال كردفان والذي شهد جلسة النطق بالحكم، وبالرغم من فصل الخريف والأجواء المعتدلة التي تشهدها عروس الرمال، إلا أنها لم تقلل حالة التوتر واللحظات العصيبة التي عاشتها المدينة قبل ساعات قليلة من الفصل في القضية وإسدال الستار على حادثة هزت السودان بشكل عام ومدينة الأبيض بشكل خاص.
إجراءات صارمة
اللافت في جلسة النطق بالحكم في القضية هو حضور النائب العام مولانا مبارك محمود إلى مدينة الأبيض لحضور جلسة المحكمة في خطوة تؤكد اهتمام النائب العام والنيابة العامة بقضايا الشهداء باعتبارها قضية محورية للنيابة العامة، كما كان لافتاً أيضا حضور قيادات من المركز لذات الأمر أبرزهم إسماعيل التاج.
إجراءات صارمة فرضتها القوات المعنية بحراسة مقر المحكمة وتنظيم دخول الراغبين في حضور المحاكمة، عمليات تفتيش دقيق لكل من يرغب في الدخول إلى قاعة المحكمة في 3 مواقع ابتداءً من البوابة الرئيسية للمجلس التشريعي ومرورا بمواقع تفتيش أخرى داخل المبنى، القاعة الفخمة التي تمت خلالها كل جلسات المحاكمة منذ بدايتها امتلأت بالحضور من النائب العام وهيئات الاتهام والدفاع ووكلاء النيابة وأسر ذوي الشهداء ولجان المقاومة والإعلاميين وغيرهم، بالمقابل ظلت حشود كثيفة ترابط خارج مبنى المجلس التشريعي في انتظار صدور قرار الحكم على المتهمين في البلاغ، في الحادية عشرة صباحاً دخل القاضي أحمد حسن الرحمة إلى قاعة المحكمة لتلاوة القرار بكافة حيثياته، القاضي أمضى أكثر من ساعة في تلاوة حيثيات القرار وما توصلت إليه المحكمة.
تصرفات طائشة
وقضى القاضي أحمد حسن الرحمة بالإعدام لـ(6) من منسوبي قوات الدعم السريع أدينوا بقتل (6) من المتظاهرين في العام 2019 بمدينة الأبيض، وفيما برأ (2) من المتهمين، أدان متهماً آخر بالقتل العمد لكنه قرر إحالة ملفه إلى محكمة الطفل لعدم بلوغه السن القانونية.
وخيّر قاضي المحكمة أولياء الدم بين القصاص أو العفو أو الدية فاختاروا القصاص.
تصرف فردي
قال قاضي المحكمة أثناء تلاوته لحيثيات قرار الحكم إن ما قام به المتهمون تصرف فردي يخالف قانون قوات الدعم السريع، مؤكدًا أن ما قام به المتهمون تصرف فردى لا يشبه المؤسسة العريقة التي ينتمون إليها، وأضاف أن قوات الدعم السريع أصبحت رقما مميزاً في حماية البلاد وتعمل جنباً إلى جنب مع القوات المسلحة للذود عن البلاد، وتابع “لا يمكن أن نهدم مكتسبات الدعم السريع بهذه التصرفات الطائشة”.
وأكد القاضي أنه بحسب حيثيات القضية فإن أشرطة الفيديو لكاميرات البنك الفرنسي بمدينة الأبيض مكان ارتكاز عربة المُدانين أثبتت تورط المتهمين في قتل الطلاب، وأشار إلى أن المتحري أكد في أقواله بأن البنك الفرنسي سلمهم الأشرطة المصورة بجانب شريط ثانٍ تم نقله من وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى اعتراف المتهم الأول بإطلاق النار من “الدوشكا” في الهواء لإبعاد المتظاهرين، بجانب تأكيد إفادت الشهود.
اعتراف قضائي
وأوضح القاضي أن المتهم الأول يتبع لقوات الدعم السريع وكان بمثابة الشرارة التي أشعلت الأحداث وقام باستعمال سلاح (الدوشكا) رغم أنها لم تصب أحد وكان يطلقها لأعلى وقال القاضي (وهو ما أكده المُدان بنفسه في الاعتراف القضائي وأقر باستخدام طلقتين من الدوشكا لأعلى) وأضاف القاضي (رغم أن المتهم الأول ثبت أنه لم يصب أياً من المتهمين الستة لكن دوره كان كبيراً لتشجيع البقية لاستخدام السلاح لذلك يعتبر فاعلاً وشريكًا ويعاقب بنص المادة 21، 130 من القانون الجنائي المتعلقة بالقتل العمد والإشتراك الجنائي).
ونوه القاضي إلى أن بقية المُدانين وضمنهم المدان الثاني يحمل كلاش وثبت أنه اشترك بسلاحه في الجريمة، بالإضافة إلى المُدان الثالث ثبت من خلال البينات أنه استخدم سلاحه ضد المتظاهرين العزل، وأكد أن ذات الأمر ينطبق على بقية المدانين الرابع والخامس والسادس والثامن.
وبرأ القاضي المتهمين السابع والتاسع من ارتكاب جريمة القتل العمد، وأمر بإطلاق سراحهما فوراً، وقال إن المتهمين السابع والتاسع ثبت أنهم كانا لا يحملان سلاحاً أثناء وقوع الأحداث بل وكان المتهم التاسع يحاول منع المدان الثالث ويدعى “الشبلي” من استخدام السلاح ضد المتظاهرين مما يثبت حسن نيته وهو ما أكدته شاهدة الاتهام الثانية التي كانت متواجدة بالقرب من المدانين.
القاضي وفي قراره قرر إحالة أحد المدانين تحت المواد 21/130 إلى محكمة الطفل لاتخاذ التدابير اللازمة بشأنه بسبب عدم بلوغه السن القانونية.
وقال القاضي ثبت أن الطلاب المتظاهرين عزل ولا يحملون سوى أدواتهم المدرسية ولا يمثلون أي خطورة وشيكة الوقوع على المدانين، وأضاف “ثبت أيضاً أن المدانين كاملي الأهلية وليسوا في حالة سكر، وكان يمكنهم الانسحاب من المكان وعدم التصرف الفردي، خاصة وأن المظاهرة مرت بعدد من ارتكازات القوات الأمنية الأخرى ولم يتم استخدام مثل هذا الفعل في مواجهة الطلاب العزل”، وتابع ” الخلاصة فإن المتهمين لا يستفيدون من الوقائع والدفوعات”.
في منحى مختلف رصدت (الصيحة) انخراط النائب العام عقب إنتهاء جلسة المحكمة في لقاءات منفصلة مع المحامين ووكلاء النيابة بالولاية في إطار الدفع بالعملية العدلية إلى الأمام، النائب استمع إلى المعوقات التي تواجه العمل العدلي بالولاية ووعد بمعالجتها.