Site icon صحيفة الصيحة

بهاءالدين قمرالدين في البدء كانت كلمة!

تَحدّث الشعراء والأدباء والكُتّاب كثيراً عن الكلمة قديماً وحديثاً شعراً ونثراً، ولكن ستبقى الكلمة وعلى الدوام في مخيلة الأدباء والشعراء لها رونقٌ مختلفٌ عند غيرهم من العامة، فعندما تكون الكلمة صناعة فأنت في حضرة الأدب والشعر، فهي وقود الشعر والأدب، وهي الحكمة بعينها فقد تكون بلسماً، وقد تكون سهماً قاتلاً!

ونجد أن أمة العرب هم أول من أقاموا للكلمة سوقاً، أو ما نسمِّيه اليوم مؤتمراً يتبارى فيه الشعراء والخطباء، وهو (سوق عكاظ)، أحد أكبر ثلاثة أسواق هي مجنة وسوق ذي المجاز، حيث كان العرب يبيعون البضائع ويلقون القصائد لمدة عشرين يوماً من شهر ذي القعدة، ثم يقضون عشرة في سوق مجنة، وأخيراً يقضون ثمانية أيام من ذي الحجة في سوق ذي المجاز، ثم يحجون إلى البيت الحرام، وبعد توقف سوق عكاظ منذ عهد الخلافة الراشدة أعادته المملكة العربية السعودية؛ ليكون مزاراً سياحياً، حيث يجتمع الفنانون والأدباء والشعراء، وتقام فيه ندوات الشعر والثقافة، والأدب، والفنون، كل هؤلاء يدلون بدلوهم في ذلك الجمع الذي يتبارى ليظهر جمال الكلمة !

ويقولون إن الشعر ديوان العرب، وهناك من الشعر الجيد الكثير، ويُوجد سبعة شعراء كبار، ستة منهم قبل الإسلام وواحد أدرك الإسلام، وهؤلاء السبعة، شعراء المُعلقات تعلق أبياتها على جدران الكعبة، وهذه القصائد تصل لألف بيت من الشعر الجيد الموزون!

وللكلمة تعريفاتٌ كثيرةٌ، منها أنها مجموعة من الحروف الهجائية، وتدل على معنى جزئي ومجموعة من الكلمات تكون جملة، وللكلمة صفات من حيث الأفراد، والنطق، والدلالة على معنى، وتنقسم إلى حرف واسم وفعل، وكذلك هي مفرد ومثنى وجمع من حيث العدد، ومما قيل عن الكلمة تأتي المباني على قدر المعاني، أي كلما كبرت الكلمة من حيث الحروف أتت بمعنى كبير؛ ويقولون أيضاً إن الألفاظ خدم المعاني، بمعنى أن المعنى هو الأصل وهو الأهم من الكلمة وخادمها وهي سيدته وتاج رأسه وفخر عزه!

 

 

وأشهر كلمة التي قيلت خارج الغلاف الجوي لأول مرة في التاريخ البشري، كلمة رائد الفضاء الأمريكي ارمسترونج على سطح القمر سنة 1969م، حيث قال وهو يضع قدميه في أرض القمر: (إنها خطوة إنسان صغيرة ولكنها قفزة عملاقة للبشرية).

وهناك كلمات مُستحدثة تُضاف إلى اللغة، وهي تحتمل ذلك وهذه الكلمات تكون من أصل أجنبي لا أصل عربي لها مثل كلمة هاتف وكلمة حاسوب وتلفزيون وراديو وغيرها من الكلمات المولدة والمعرّبة!

أما الكلمة الطيبة صنفت من الصدقات التي ترفع صاحبها، وهي كالشجرة الطيبة؛ عكس الكلمة الشريرة الخبيثة التي يراد بها الشر فهي تهوي بصاحبها إلى الأسفل وتبقى إرثا سيئا له!

لقد عرف الأدباء قيمة الكلمة وخصوصا من جاءوا في أوائل القرن العشرين مثل العقاد، والمازني، وطه حسين، وهؤلاء على سبيل المثال لا الحصر؛ فإذا قرأت نصاً لواحد منهم لا تستطيع أن تبدل كلمة مكان أخرى من رصانة الكلمات وقوتها!

وهذا نص للعقاد من كتابه عن فرنسيس بيكون؛ حيث نلاحظ قوة العبارة وجمال الأسلوب وجزالة الكلمة، حيث يتكلّم عن الغضب وكيف يروض الإنسان نفسه ويمتلكها ويقول العقاد: (الغضب لا ريب نقص في الخليقة، لأنّه لا يظهر على أكثره إلا في الضعفاء كالأطفال والنساء والشيوخ, وخليق بالشيوخ إن غضبوا أن يجعلوا غضبهم إلى السخرية أقرب منه إلى الخوف، حتى يبدو عليهم أنهم فوق الإساءة لا دونها، ولا يصعب ذلك على الإنسان إذا راض بنفس على ضبط عنانه). انتهى حديث العقاد.

أما الكلمة المفرحة فتأتي في إطراءٍ أو مدحٍ، أو في تعبير عن مشاعر صادقة أو كلمة من طفل بريء أو نجاح أو تقدير، كل ذلك مفرح ومبهج!

وأما الأتراح في كلمة فقد يجيء في خبر حزين أو سماع كلمة تعبر عن فشل ما !

وفي النهاية هي كلمة قد ترفع إلى عنان السماء فهي النعيم، أو تنزل إلى الأرض فهي الشقاء المبين، وكما قيل: (في البدء كانت كلمة).

والسَّلام عليكم،،،

 

 

Exit mobile version