بخلاف فضائل أخرى..
فعدا الطيبة هذه – والتي جعلت من اسمه اسماً على مُسمّى – فهو صَادِقٌ جداً..
صَادِقٌ مع نفسه والآخرين..
ومن الآخرين هؤلاء كاتب هذه السطور نفسه؛ فهي – إذن – شهادة عن تجربة..
فقد لبثت في صحيفته من عمري سنين..
ولولا مثل هذه الفضائل – والصفات – لما كانت صحيفته مستقراً لقلمي سنين عددا..
بل هي الصحيفة الوحيدة التي أمضيت فيها أعواماً ستة..
استقر فيها – قلمي هذا – بكل الذي درج على التنقُّل به من صحيفة إلى أخرى..
التنقل به من قيم… ومبادئ… وأفكار… وعناد..
بكل الذي كان يعلمه عنه جيداً..
ورغم ذلك بادر بتقديم عرضٍ لصاحبه كي ينضم إليه بصحيفته الجديدة؛ الصيحة..
وقبل هذا كان بينه وبين صاحب القلم هذا ما صنع الحداد..
وهذه إحدى فضائله التي أتحدّث عنها؛ يخالفك جداً… ولكنه يحترمك جداً..
إن كُنت تستحق – حسب تقديراته – احتراماً..
ويوم جلوسي للاتفاق مع مدير عام هذه الجريدة – الصديق يحيى حامد – تكلمت معه عنه..
وذلك حين طلب مني وعداً بعد مُغادرة الصحيفة..
فقلت له إن ناشرها السابق – والأول – لم يُحاول انتزاع هذا الوعد مني أبداً..
ولكن ما فرض علي الاستقرار بها تعامله تجاهي..
فهو يتحلّى بكل ما يعجبني في المرء – والناشرين – من فضائل..
وأهمها؛ الصدق… الوضوح… والإنسانية..
ومن مدخل الإنسانية هذه كان يفاجئني – على حين فجأة – بزيادة في مُخصّصاتي..
ويبرِّرها بأن الزمن بات صعباً؛ وأنني أستحق..
وقلت للحبيب يحيى إن فيك من الصفات ما يُذكِّرني بالراحل المقيم هذا..
وهو يعلم أنّني لا أجامل… ولا أنافق… ولا أداهن..
وأعتذر عن الاستطراد في (الشخصنة) هذه..
ولكن هدفي منها التحدث عن تجربة… عن مُعايشة… عن مقربة..
وذلك كيلا يُقال إن شهادتي فيه سماعية… أو انطباعية..
كما أشهد الله – وهو الآن بين يدي خالقه – أنه بريءٌ من غالب ما يُوصم به من مثالب..
فلا هو عنصري… ولا حرامي… ولا مُتعصِّب..
ويكفي دليلاً على عدم عُنصريته النظر إلى الكثيرين ممن استعان بهم في صحيفتيه..
وأعني صحيفتي الانتباهة… والصيحة..
ويكفي دليلاً على نزاهته التخلي عن منصبه الوزاري جرّاء تجاوزات أتت من علٍ..
ويكفي دليلاً على تسامحه التعاقد مع كاتب هذه السطور نفسه..
ويكفي دليلاً على إنسانيته بيعه عربته الخاصة ليفي بأجور منسوبي صحيفته عند إيقافها..
عند إيقافها لأكثر من عام..
ثم لم يمتلك سيارة أخرى – حسب علمي – إلى أن توفاه الله..
هذا هو الطيب مصطفى؛ صادق… واضح… نزيه… دُغري… إنساني..
وطيـــــب!!.