آمال عباس تكتب : وقفات مهمة السياسة والأدب
عندما انفرد بنفسي أسترجع مجموع المناقشات التي تدور حولي أو التي أشارك فيها في كثير من الأحيان أمر لها عابرة بأكثرها.. وفي القليل النادر قد أقف عند كلمة.. أقف عندها كثيراً.. أو جملة..
ودائماً في وقفاتي اتذكر لقائي هذا الأسبوعي معكم. وفي الأيام الفائتة وقفت كثيراً عند كلمتين وردتا في مناقشة عابرة..
الكلمتان والعلاقة التي بينهما تصور الحياة كلها إذا طلب مني أن أعرف الأدب لما قلت أكثر من أنه المعنى اللا محدود للأشياء.. كل الأشياء.. إنه التعبير الذي يهدف إلى إثارة الأحاسيس بالجميل.. أو تنبيهاً للخطر.. أو تنفيراً من القبح وقد قال ابن خلدون في مقدمته الرائعة عن الأدب قبل ستة قرون إنه علم لا موضوع له.. يعني بذلك الأدب.. ويعني أنه لا يختص بموضوع واحد بل يمتد الى الموضوعات كلها.. ومنها تكن مادته كل موضوع.
ومنذ أن قال ابن خلدون هذا الرأي وقبل أن يقول وإلى يومنا هذا يفوق الحصر عدد الأدباء العرب وغير العرب الذين عبروا عن السياسة بأدبهم.. فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان أو بمعنى آخر ليس بالماديات وحدها تكون الحياة والمقصود بهذا العلو بالإنسان فوق الحيوان.
فالإنسان هو القيمة الاجتماعية العليا.. وكل أموره المادية والمعنوية تهمه بقدر متساوٍ حسب مقولة الذين يؤمنون باتحاد جوانب الحياة.
والإنسان كما يقول الفلاسفة متدين وسياسي بالطبع.. ولا تتم إنسانيته إلا في مجتمع صالح منظم.. يدعو له السياسيون ويحميه الأدباء.
ومن هنا تكون السياسة موضوعاً.. بل في رأس الموضوعات التي تهم الناس وتشغل بالهم.. وفوق هذا أن السياسة هي التي تكيف الأوضاع الاجتماعية المحيطة بالأدب.. والأدب يفقد صفته هذه إذا فقد الناشر بمده الأوضاع.. وبالتالي تظهر على نتاجه ملامح الرضى أو الغضب.. الضيق أو البهجة.. ومنها يكتسب إنتاجه الأدبي معنى سياسياً تلميحاً كان أم تصريحاً.
المهم أن الفصل بين السياسة والأدب شيء مستحيل.. وهو أكثر استحالة في هذه الآونة من حياة البشرية.. وذلك بفضل المفاهيم الإنسانية للسياسة.. ولكن قد توجد سياسة لا إنسانية.. بلا أدب ولكن لا يوجد أدب بلا معنى سياسي.. وهذا لا يعني حشد الهتافات.. والشعارات في القصائد والروايات والقصص.. فالمعنى السياسي يمكن أن يتجلى في قصيدة غزلية.. فالأدب وما يشتمل عليه أداؤه من رونق وجمال وفن وما ينطوي عليه محتواه من صور وأفكار يلهم البشر ويصبح قوة تحرك الشعب.
• وجهة نظر:
أمس كنا قد أثرنا موضوع “أغاني البنات” باعتبار أنها مادة غنية للبحث وكشف عالم خاص يصعب الوصول إليه مع ما موجود من عادات وتقاليد ومفاهيم اجتماعية حول مسائل معينة.. وما كنت أظن أن هذا الموضوع يلاقي الاهتمام الذي لاقى.
وقبل أن أستجيب لرغبات الكثيرات من قارئات الصفحة في أن آتي بمزيد من النماذج أرى لزاماً علي أن أشكر كل الذين أبدوا حماساً للبحث في هذا العالم.. عالم غناء البنات.
الفلكلور.. أو أدب الشعب أو حكمة الشعب بالمعنى الأصح.. هو الذي يعبر صادقاً بلا شوائب ولا حواجز ولا تعقيدات لغة كما ورد سلفاً فالفتاة تغني قائلة:
ودوني للملكية
وكشفوا الدكاترة علي
قالوا لي يا بنية
عياك ما بتنفعو العملية
وتقول أخرى:
عيانة راقدة سرير
جاب لي قزازة عصير
قال لي هاك اتغدي شفقان عليك كتير
أو تقول ثالثة:
يا عسل الصفائح
كل البينا رايح
كتم الريد بجرح
وفتو بجيب فضائح
أو تقول رابعة:
رسموك في الضمائر
وين يا ناير
الشجر الفي خلاه
والحكومة ساقياه
شحدت مولاه
ما يسافر براه
الملاحظ في هذه الأغاني انها لبنات المدينة أو الريف الغريب من المدينة فالتعبير عن العاطفة بدأ بتغيير.. ففي المرة السابقة وكانت النماذج خليطاً.. وكانت في عموميتها تتحدث عن الزواج أو أمنيات زوج المستقبل بصرف النظر عن وجود علاقة سابقة.
أما في النماذج التي أمامنا واضح ان المعنى بالإشارة شاب معين.. فالأولى تقول انها مرضت بحبه ونقولها للمستشفى “الملكية” والأطباء فضحوا أمرها.. والثانية تعبر عن اهتمامه بها وزيارته لها في مرضها ولعلها هي الفرصة الوحيدة التي تسمح بها التقاليد لزيارتها.
أما الثالثة فتعبر عن وجهة نظر المجتمع حول تعبير الفتاة عن عواطفها وفي الحالتين تعاني “كتم الريد بجرح” و”فتو بجيب فضائح” وشيل حس.. والرابعة تؤكد انها تبادله العواطف وتحس أن ميعاد سفره قد دنا فهي تتمنى أن تسافر معه “شحدت مولاه ما بسافر براه”..
مقطع شعر
التحيات والتقدير لمناضلي فلسطين المغتصبة والتحية والتجلة الخاصة لذكرى شهداء الكرامة.. والعار والخزي دائماً للاستعمار والصهاينة وأعوانهم.. بمناسبة الذكرى السادسة لمعركة الكرامة وبمناسبة اليوم العالمي لنصرة قضية فلسطين اليوم الرابع والعشرين من مارس من كل عام إليكم هذا المقطع من “عواد الامارة” لشاعر الأرض المحتلة توفيق زياد:
الصوت الأول:
على الأسفلت مات عواد الامارة
رغيف الخبز في يده.. وفوق الكتف فاس
رصاصات ثلاث
جئنه يصفرن.. من صوب البيادر
وحتى اللمعة البيضاء من عين المسدس ما رآها
كان يحلم بالمطر
الصوت الثاني:
كان عواد الامارة طيباً شهماً شجاعا
يطعم الأرض إذا جاعت جبيناً وذراعا
كل ما كان
رصاصات ثلاث غبن فيه فتداعى
كان يهوى الرقص في الأعراس.. والشاي الثقيل
وحكاية الخيل والفرسان والماء المعطر.. والسياسة والروايات التي يورثها الناس هنا جيلاً لجيل كان كالصخرة قوياً
إن هوت قبضته تصرع ثوراً
كان أمياً ولكن
يحفظ الأمثال والشعر الجميل
كان يا ما كان
كل ما كان
رصاصات ثلاث جئنه يصفرن من صوب البيادر
مربع شعر
قال ود شوراني متغزلاً:
براق العشار الغرباني زادني علايل
وهفن لي بسيمات الظريف مو مايل
البي ذوقو فاق عبلة أم جمالاً هائل
النقرابي والشف في أم فنايد خايل
من أمثالنا:
الما عنده لسان فقري وفلسان