* مدرس تحليل السياسات العامة واستشاري التخطيط الاستراتيجي- جامعة الخرطوم
المرض قدر وليس اختيارا والعلاج خاصة في الحالات الطارئة والمستعصية والمهلكة قدر وليس فيه خيارات كثيرة وأحيانا تكون الخيارات صفرية وعدمية وهذا بخلاف مسارات الحياة الأخرى من العمل والتعليم والسكن والطعام واللبس والمواصلات وغيرها، فكل تلك فيها قدر من السعة والاختيارات، أما ألمرض.. فلا قدر الله.. فالخيارات في التعامل معه ضيقة وأحياناً تكاد تكون معدومة وآنية وليس فيها مجال زمني للاختيار. وأحياناً يكون التعامل معها أو عدمه كارثياً وعدمياً. تلك الكارثية والعدمية تكون غالباً في حالات الطوارئ والحوادث حيث لا مجال للانتظار والابطاء وتكون الخيارات محدودة وأحياناً معدومة تمامًا. وكثير من الدول وكان السودان من بينها أن الطوارئ والحوادث تتم معالجتها في المستشفيات العامة بغض النظر عن المقدرة المالية للمراجعة وكذلك الجوائح والأوبئة وبعض الفئات العمرية مثل الأطفال وكبار السن والمعاشيين والنساء الحوامل وأصحاب الاحتياجات الخاصة والأمراض المتوطنة والأورام والسرطانات والأمراض المقعدة.. لقد كانت حكومة السودان في عهود ما بعد الاستقلال مهتمة تماماً بنشر المؤسسات الصحية العامة وإتاحتها لكل المراجعين بلا تكلفة مباشرة أو بتكلفة زهيدة ثم دخلت في ربع القرن الأخير الدوافع التجارية وخاصة مع استعار نار الخصخصة للخدمات العلاجية والتعليمية والنقل وغيرها وتراجع الاهتمام بالمؤسسات العامة حيث طغت نيران الرأسمالية المتوحشة في سائر القطاعات وتراجع الاهتمام الفعلي للدولة بتلك القطاعات الحيوية فأصبح التعاطي مع تلك الخدمات الضرورية وخاصة التعليمية والعلاجية حصرا للفئات المقتدرة فقط.. فبينما كان التعليم العام والعالي للمستحق والمؤهل أصبح الآن متاحا للقادرين مادياً بعد أن وصلت تكلفته السنوية للدراسة فقط المليار جنيه، بينما كان سابقاً يدعم الطالب المحتاج..
أما العلاج وخاصة ممن يحتاج للعمليات وخاصة الكسور وأمراض القلب والكلى والسرطانات فتلك هي الكوارث بعينها وحتى في المستشفيات العامة أصبحت خارج مقدرات المواطن العادي والفقير. ويواكب هذا تدهور كبير في السعات والبيئة المحيطة بتلك المؤسسات العلاجية العامة. وكأمثلة لذلك ما عليك إلا الذهاب لمستشفى الخرطوم لعلاج الأورام في الجزء الغربي من مستشفى الخرطوم والملاصق لمجلس التخصصات الطبية فإيجاد مدخل له أو إيقاف سيارة مستحيل لأنه محتل بالكامل لبائعي الشاي والكسرة والفول، وتم إنشاء مستعمرات لها ثابتة حول المستشفى ومستشفى الخرطوم من كل الاتجاهات وكذلك مستشفى الشرطة وساهرون ومستشفى جامعة الخرطوم “الكلينيك” والذى يحتاج للكثير ليكتمل في ظل إدارة ملائكية متفانية.. تحتاج لاستكمال مثل قسم العظام والأورام والعيون وزراعة العدسات وغيرها.. مع هذا كله به تميز مع الإغلاق شبه التام من أصحاب الأطعمة والشاي وغيرها، إلا أن به تطورا نوعياً ألا وهو أنه يضم مع المذكورات آنفاً إمكانات وتجهيزات تعاطي الشيشة ثم الله أعلم.. الدول المفرطة في الرأسمالية بها امتداد كبير وواسع ومنوع للخدمات العلاجية لكل من يحتاجها من خلال مؤسسات الدولة أو المؤسسات الخيرية الحقيقية مثل الولايات المتحدة الأمريكية.. حيث الخيري خيري تماماً وليس فيه أي احتيال أو لف ودوران فهل الخيري عندنا هنا خيري ام يبدأ خيراً ثم الله اعلم.. مثل مؤسسة البصر الخيرية وغيرها.. ولقد أعلنت الحكومة هنا انها قد أقرت مجانية العلاج والتعليم فاستبشرنا واستبشر الناس كلهم ولكن مشكلة الحكومة أنها مع خلطتها الاشتراكية والرأسمالية التي تتبنى سياسات صندوق النقد الدولي وأن الكفة دائماً تميل لصالح الجانب الرأسمالي.. وفي عقر دار حاضنة الرأسمالية الكبرى أمريكا.. تخرج سياسات الرفاه Welfare في جانب الطعام Food Stamps والعلاج فيما عرف ببرنامج “أوباما كير” فهل نطمع في برنامج “حمدوك كير”.. ناهيك عن أن نتطلع لنظام صحي مثل النظام الكوبي الاشتراكي.. والذي هو باتفاق الجميع أفضل نظام صحي في العالم…
وربما لنا عودة إن شاء الله