شاكر رابح يكتب : الامن القومي من منظور أخلاقي 2-3
كنت قد تحدثت في مقال سابق عن عظم وكبر جرم خيانة الأوطان من ناحية قانونية، وهنا سوف أتطرق لها من منظور أخلاقي، والتاريخ الإسلامي وثق لخيانات عظيمة قبيحة، والتاريخ يعيد نفسه والناظر إلي زماننا هذا يجد أن هناك أشخاص جدد يخونون أوطانهم ويخدمون أعداء الوطن مما يتسبب في أضعاف الأمة السودانية وضياع مستقبلها، والخيانة في العصور السالفة كانت محصورة في أشخاص بعينهم أما الآن أصبحت تمارسها أحزاب وكيانات وتنظيمات.
يحكى أن كبير الهررة قد نبذه قومه وقد لجأ الهر الهرم الى كلب يتربص بالقطط ويريد أن يفتك بها، حشد الكلب أقرانه وجعلوا القط الهرم في المقدمة ليكون دليلًا لهم فنجحت الكلاب في الفتك بها هنا وقف الهر الهرم منتشياً بالنصر، فقال له كبير الكلاب أيها المغفل إن وكراً طردتك منه القطط لن تبقيك فيه الكلاب .
كثير من الساسة يخونون أوطانهم بينما هم يجزمون كذباً وافتراء بأنهم وطنيون، ولنا في قصة الخائن «أبو رغال» عبرة لمن يعتبر وقد عمل كدليل للقوات التي أرادت هدم الكعبة بقيادة «أبرهة» في القرن الخامس الميلادي، وكان أول عربي يخون وطنه وقد اكتشف الناس فعلته رغم ضعف قوات قريش وأجهزتها المخابراتية، وتم قتله في مكه ودفن فيها فكان عندما يحج الناس قبل الإسلام يرمون قبره بالحجارة تقرباً وتعبداً لله، ما أبشع عقوبة الخائن في الدنيا والآخرة، خائن آخر سطر التاريخ قصته الوزير «مؤيد العلقمي» وكان هذا في أيام حكم العباسيين عندما هم «هولاكو» بغزو بغداد والسيطرة عليها ومن ثم الانقضاض على الشام ومصر وكانت خطته تقوم على إيجاد خلية جاسوسية لتزوده بالمعلومات فوقع الاختيار على الوزير ابن العقلمي وكان مقرباً من الخليفة المعتصم العباسي الذي كان معروفاً عنه ضعف شخصيته واهتمامه باكتناز الذهب والمال، فنجح ابن العقلمي في التلاعب بقرارات الخليفة العسكرية وأضعف الجيش بإيقاف التمويل والدعم، ثم انتقل هذا الخائن للخطة “ب” فقد عمل على نشر الإشاعات والأكاذيب وبث الفتنة بإذكاء نار النعرات القبلية والطائفية حتى وصلت الدولة العباسية الى أقصى درجات الضعف والتفكك فكانت النتيجة أن نجح هولاكو في اكتساح بغداد ودمر كل معالمها التاريخية والإسلامية ثم سيطر على بلاد الشام وتوجه الى مصر حتى صدته قوات «قطز» وألحقت به هزيمة نكراء ولا ننسى تفكك الدولية الإسلامية في إسبانيا حينما تبعثرت الدولة الإسلامية الى ممالك صغيرة تسيطر عليها عائلات ملكية وكانوا يتعاونون سرًا مع ملك إسبانيا ويخرجون على بعضهم البعض إلى أن سقطت تماماً في عهد أبي عبد الله الصغير.
ولقد علمنا الحبيب المصطفي صل الله عليه وسلم درس عظيم في حب الأوطان عندما كذبه قومه واتهموه بالجنون والسحر وحاصروه وضيقوا عليه الخناق هو وأصحابه رضوان الله عليهم حتي كادوا أن يقتلوه وعندما هاجر من مكه وقف وقال (والله إنك لأحب بلاد الله إلي، ولو لا أن قومك أخرجوني ما خرجت..) عندما دارت دورة الأيام وعاد الرسول بجيش عرمرم ودخل مكة وسلمت له قريش فقال قولته المشهورة (اذهبوا فأنتم الطلقاء ) فلم يقتل أو يعبث بمقدرات أو معالم مكه، أي عظمة هذه، علينا أن نعتبر والتاريخ مليء بالخونة ويجب على كل مواطن سوداني تحمل مسؤولياته والحفاظ على أمن وسلامة واستقرار البلد وأن يحذر ويبتعد عن مخططات العملاء المندسين فإن الأوطان لا تموت من ويلات الحروب والصراعات الداخلية لكنها تموت من خيانة أبنائها.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل