الحديث عن الفنان الأستاذ التاج مصطفى يختلف إلى حد كبير عن الحديث عن الفنانين والمغنين. وقد يكون انتماؤه إلى أسرة دينية كبيرة واحداً من أسباب تفرد الحديث عنه، ولكن يبدو أن هذا لم يكن السبب الوحيد، إذ أن عدداً من المغنين ينتمون إلى أُسر دينية. والحقيقة أن ثمة سبباً آخر- إلى جانب هذا – جعل الحديث عنه مختلفا عن غيره . ذلك أن (تركيبة) التاج مصطفى والظروف التي كونته أساساً تمتاز بالتفرد، وينتمي التاج مصطفى إلى أسرة دينية ضاربة في الإعراق، من حيث الأصل، ومن حيث الجاه الدنيوي.
أسلاف الطيبية:
إذ كان أسلاف الطيبية من عظماء ملوك بني العباس عموماً في السودان، ومكوك الجموعية على وجه الخصوص. وأعظم من هذين الضربيْن من الإعراق إعراق أسلافه في نشر الإسلام في السودان وخارجه. وهم أهل ولاية عظيمة، وخيل وريادة في العالم الإسلامي. وقد كان أبوه الشيخ المصطفى واحداً من أهل الصلاح والورع والولاية عند الطيبية وغير الطيبية.
سجل خالد:
التاج مصطفى سجل خالد في مكتبة الفن السوداني، وركن خالد في اجتماعيات أمدرمان، ولزمن طويل مثلت الكثير من أغنياته قصصاً حياتية صاغت وجدان أجيال وتفاعلت معها أجيال حتى اليوم، حيث لم تكن ألحانه عابرة يعتريها النسيان فأغنيات مثل الملهمة وليلة الذكرى ويا نسيم أرجوك وعازف الأوتار وإنصاف ويلاك معاي وفقدت حبيب وسحروك ولا مالك وغيرها الكثير الذي ظل عالقاً بوجدان الناس يحكي رصانة الكلمة وأصالة اللحن وحسن الأداء.
روائع الأنغام:
وكانت الأغنية التي قدمت التاج للإذاعة السودانية هي (فتاة النيل) من كلمات الراحل إسماعيل خورشيد، وقبل ذلك كان قد أمتع وأسعد بروائع الأنغام من أغنيات الحقيبة لاسيما أغنيات عبد الكريم عبد الله (كرومة)، واستمر التاج ينسج خيوط الإبداع إلى ان تعرف على الشاعر عبد الرحمن الريح الذي قدم له أغنيات زاهيات. بدأت بأغنية (حياتي فداك) واستمرت مع (ممكون وصابر) و(ارضيت ضميري) و(إشراقة) و(حيران في الحب) و(رسالة حب).
مرحلة الملهمة:
وقد لاقت كل هذه الأعمال هوىً وقبولاً منقطع النظير لدى الجمهور لكن (الملهمة) التي نسجها عبد الرحمن الريح بروحه ووجدانه وقدمها التاج مصطفى في حفل غنائي بحدائق الإذاعة القديمة عام 1948م أحدثت ثورة في عالم الأغنية السودانية ونقلتها من حيز الحقيبة الضيق إلى آفاق أرحب وتعتبر (الملهمة) من الدرر الغوالي في سفر الأغنية السودانية، وبعد أن شكل عبد الرحمن الريح مع التاج مصطفى ثنائية بديعة حدث خلاف عارض بينهما وإثر هذا الخلاف انتقل عبد الرحمن الريح للتعاون مع فنانين آخرين مثل الفاتح حاج سعد ورمضان حسن وابراهيم عوض وصالح سعد وأحمد الجابري.
موسيقى صعبة ومعقدة:
ويتداول الفنانون الشباب الأغاني الخفيفة المتاحة التي تغنى بها التاج مصطفى لكن هنالك العشرات من الألحان والأغاني ذات الموسيقى الصعبة المعقدة التي لا يستطيع أي عازف عادي أن يجاريها، وكذلك هنالك أغنيات عديدة جاءت كلماتها باللغة العربية الفصحى مثل أيها الساقي إليك المشتكى ومي وليلة الذكرى وحيران في الحب وموكب الذكريات ونداء العواطف وأطياف وغيرها من الروائع التي لم تجد حظها من البث في أجهزة الإعلام. هذا غير شعر المديح والقصائد الصوفية والإخوانية التي نظمها التاج مصطفى الذي لم يعرفه الناس بعد كشاعر!. غير أن هنالك الكثير في عالم التاج مصطفى الإبداعي جدير بأن يخضع للدراسة والبحث من قبل المختصين، والحديث عن التاج مصطفى الإنسان والفنان والشاعر يحتاج إلى مجلدات ستثري ـ بلاشك- مكتبة الفن السوداني.