تقرير- نجدة بشارة
لم تكن حادثة قسم شرطة الفاشر جنوب التي اقتحم فيها أمس الأول منسوبون لإحدى الحركات الموقعة على اتفاق سلام جوبا القسم وقاموا بإخراج 3 من منسوبيهم تم ضبطهم في مخالفات جنائية، لم تكن الحادثة الأولى التي تبدر من عناصر حركات الكفاح الموقعة على السلام كما أنها لن تكون الأخيرة في ظل الهشاشة الأمنية التي تعم الوطن كله..
فمنذ توقيع اتفاق السلام في جوبا، أكتوبر الماضي، والحكومة وحركات الكفاح الموقعة تسرع الخطى لإنزاله لأرض الواقع رغم التحديات والثغرات التي تواجه التطبيق؛ لاسيما تأخير تنفيذ بند الترتيبات الأمنية الذي كان مقررا إنفاذه خلال 60 يوماً على سريان الاتفاق.. وسبق ونبه خبراء ومراقبون إلى كثافة الوجود العسكري، واعتبروا هذه الظاهرة، ثغرة في اتفاقية السلام، باعتبار أنها لم ترسم خارطة طريق واضحة بشأن مستقبل القوى المسلحة للحركات الموقعة ..
وبالمقابل يتساءل متابعون ومراقبون عن عواقب تفلتات بعض الحركات الموقعة على اتفاق السلام.. هل سوف تكون خصماً على اتفاقية جوبا؟ وهل فقدت الحركات المسلحة التي تمركز قادتها في الخرطوم سعياً خلف المناصب سيطرتهم على قواتهم في الميدان؟.. كيف سيتعامل شركاء السلام مع هذه التفلتات؟ كل هذه الأسئلة وأخرى سنجيب عليها في هذا التقرير ..
ما وراء الخبر
فور أن اقتحمت القوة المسلحة قسم شرطة الفاشر جنوب، وأطلقت سراح متهمين بقوة السلاح، عقدت لجنة أمن ولاية شمال دارفور، اجتماعا طارئاً لبحث تداعيات الحادثة، واستنكرت الخطوة وشددت على ضرورة حفظ الأمن ومحاربة الجريمة بكافة أنواعها. وقال بيان صادر من مدير شرطة ولاية شمال دارفور، “أنه خلال تنفيذ خطة الولاية لوقف التفلتات الأمنية ومحاربة الجريمة، ألقت القبض على اثنين من المتهمين أحدهماً يحمل سلاحاً نارياً، وبحوزتهما مخدرات حشيش وأدوات كسر، مشيرًا إلى أنه تم اقتيادهما لقسم شرطة الفاشر جنوب ودونت في مواجهتهما لائحة اتهامات.
وأكد البيان أن قوة تتبع للحركات المسلحة حضرت للقسم بنحو 6 سيارات وقامت بأخذ المتهمين بقوة السلاح، وكشف عن عقد اجتماع للجنة أمن الولاية بمشاركة قوى الكفاح المسلح لبحث تداعيات الحادثة وبين أن الحركة قامت بتسليم المتهمين الاثنين ووضعت القوة التي اقتحمت القسم في الحبس الشديد.
وقبل أسبوعين كان قد وقع اشتباك لحركة مسلحة مع الشرطة في الولاية الشمالية منطقة دلقو.. استخدمت فيها الأسلحة الرشاشة والبنادق الآلية مما أدى إلى سقوط قتيل من القوة المهاجمة (الجيش الشعبي)، وجرح ثلاثة من أفراد شرطة التعدين.
أضف إلى ذلك الحادثة التي وقعت قبل ثلاثة أشهر ويزيد، حيث وقع اشتباك بين تنظيمين منشقين عن واحدة من حركات «تمازج» في الخرطوم، وتبادل الفصيلين إطلاق النار بينهما، قرب مستشفى كير.
تفلتات محدودة
ولكن المحلل السياسي والمراقب للعملية السلمية في دارفور د.عبد الله آدم خاطر في حديثه لـ(الصيحة)؛ قال إن التفلتات الصادرة من بعض منسوبي الحركات لا تعدو أن تكون تفلتات فردية تصدر من أفراد ولا تطلق أو تعمم على الكل، وقد لا تتجاوز نقطة من عدم الوعي أو المعرفة من هولاء المتفلتين، بينما تبين مدى أهمية استيعابهم في النظم العسكرية في هذه المرحلة.
وقطع خاطر بعدم إمكانية عودة التمرد أو النزاع المسلح أو خروج هذه القوات المتواجدة على الميدان عن طوع قادتها، موضحا أن السلام أصبح أشواقاً تراودهم جميعاً ولن يتخلوا عن تحقيقه كاملاً بعد أن اختبروا حلاوة الأمن في ظل الحكومة الديمقراطية، وأردف: لكن في ذات جاء الوقت لندق جرس الإنذار بضرورة إكمال ملف الترتيبات الأمنية، وتكوين المجلس التشريعي، كما أن المبادرة التي أطلقها رئيس مجلس الوزراء بإطلاق الضمان للحركات خارج اتفاقية السلام أن تلتحق بالاتفاق بالداخل وستجد الترحيب المطلق.
نشاط مضاد
ولكن تقارير سابقة أشارت إلى أن بعض الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام تقوم بعمليات تحشيد وبيع واسع للرتب العسكرية من أجل تقوية مراكزها، وفي مؤشر على خطورة الظاهرة، سبق وطالب عضو مجلس السيادة رئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس بضرورة القبض على كل من يدعي ويبيع الرتب العسكرية باسم حركات الكفاح المسلح، مضيفاً أن هذا السلوك “يعتبر نشاطاً مضاداً للثورة يجب عدم المجاملة معه أو السماح به”.
وسبق أن قررت اللجنة الفنية التابعة لمجلس الأمن والدفاع، برئاسة رئيس أركان الجيش السوداني الفريق أول محمد عثمان الحسين إفراغ العاصمة من الوجود المسلح، أضافة لإيقاف عمليات التجنيد والاستيعاب السياسي الذي تنفذه الحركات المسلحة بمدن السودان.
كما قررت اللجنة “إيقاف التجنيد والاستيعاب السياسي الذي تقوم به حركات الكفاح المسلح بمدن السودان المختلفة إلى حين اكتمال تنفيذ بند الترتيبات الأمنية” مع المطالبة بالإسراع في تنفيذ بند الترتيبات الأمنية المتعلقة باتفاق جوبا للسلام”.
شهادة براءة
لكن بالمقابل سبق وبرأ النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” هذه الحركات من صبغة التفلتات الأمنية وحرر شهادة براءة لكل الحركات الموقعة على اتفاق السلام، ودعا في ذات الوقت عبر تصريحات صحفية إلى البعد عن التجنيد “الزائف”، في العمل العسكري، مشبهاً ما يحدث من التجنيد “بسوق مواسير الفاشر”.
جزء أصيل
ومؤخراً أكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، أن “منتسبي حركات الكفاح المسلح” الذين وقعوا اتفاقية سلام “جوبا” أصبحوا جزءاً أصيلاً من مكونات حكومة الفترة الانتقالية بمختلف مستوياتها السياسية والعسكرية والأمنية وأن القوات المسلحة وكافة القوات النظامية ترحب بمنسوبي “حركات الكفاح المسلح” الذين وقعوا على اتفاقية سلام جوبا، متمنياً استكمال متطلبات الانتقال والسلام وعلى رأسها الترتيبات الأمنية، وقال: “نعمل على تذليل ما يواجه تنفيذ الترتيبات الأمنية بسبب الظروف الاقتصادية التي يمر بها السودان”، مؤكدا المضي في تنفيذ كافة مراحلها المختلفة.
ثغرة في الاتفاقية
لكن بالمقابل يرى الخبير الأمني الفريق محمد سليمان في حديث لـ(الصيحة) ضرورة تقنين وجود قوات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا عبر البدء فورًا في تنفيذ الترتيبات الأمنية، وقال إن انتشار هذه الجيوش في الولايات يعتبر ثغرة كبيرة قد تقود إلى إفشال اتفاقية السلام، وبالتالي خصماً على اتفاق جوبا. وتوقع سليمان أن يساهم تدريب هذه القوات وتأهيلها التأهيل الانضباطي الاحترافي في أن تعي دورها وتكون مدركة لدورها في حفظ السلام القومي.