محمد صالح الأمين بركة يكتب : العودة إلى الجذور.. أمْ ضَوَّاً بان تتألّق في مراسم زواج أبونوبة
مدخل: (أول)
قبل أربعين عاماً وَنَيْفْ، بَذَرَ العمدة عبد الله مصطفى أبونوبة، بذرة لا تعرف المستحيل، وَظَلَّ يُسقيها بالعمل والاجتهاد والوفاء والصبر الجميل – وذلك بعدما أشار واستشار واستخار واتخذَ القرار ووضع اللبنة الطيبة المباركة في موضعها ومعهُ إخوة آخرون كرام جادوا وأعطوا وما استكانوا وما بخلوا لقرية أمْ ضَوَّاً بَانْ بالغالي والنَّفيس – ذلكم الحُلْم النبيل وقد كان، فأصبحت تلك القرية اليوم مدينة وارفة الظلال من لا شئ إلى حاضرة يُشارُ إليها بالبنان وحانَ قطاف الثمرات ببناء صروح رامزة للأجيال القادمة من مؤسسات تعليمية وصحية ومُجتمعية ومسجد وسُوق ومنافع أخرى لا تُعَدْ ولا تُحصى، واقع ملموس ومحسوس، لا تُخطِئهُ العَيْنْ المُجَرّدة، بيان بالعمل، ومن هنا جاء التغيير الحقيقي للإنسان وفي الإنسان، استقراراً وخدمات وتنمية مُستدامة .
مدخل: (*ثانٍ*)
العز أهل وجيران وأحباب وأصحاب :
الدكتور حذيفة أبونوبة بعد أنْ صالَ وجالَ مُتنقِّلاً كالسندباد ما بين السند والهند (ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا) وما جاورهما في سبيل اكتساب وتحصيل العلوم والمعرفة – جاء لردِّ الجميل إلى مسقط الرأس أمْ ضواً بان لِيُتَوِّجَ زفافهُ من الضوء البان لبقية مُدُنْ السودان .
جاء – وجاء معهُ الأخلاء والرِّفاق، مُؤازرين ومُشاركين في كافة مراسم العُرْس والزواج بدءاً من دارفور حتى الخرطوم خاتمةُ المطاف.
جاء الشيخ الفاتح محمد حامد مُمَثِّلاً لمليط، وجاء الشباب كَبَّرْ برشم وسعيد حسن عبد المجيد عن الضعين الحديبة أمُّ الديار، وجاءت أسرة تاج الدين أحمد الحلو (نصر الدين ومحمد وبشير) عن بُرام الكلكة، وجاء عَجَّزْ عن الجنينة وحطَّ الرِّحال في مدينة نيالا البحير حاضرة ولاية جنوب دارفور، وشدَّ الموكب الترحال صَوْبَ النور بان وكانت رحلة فريدة مزدانة بأمطار الخريف والخُضرة والوجه الحسن أو كما قال: ثلاثةٌ يُذْهِبِنَ الحَزْنَ .
وشهدت الجموع أروع استقبال، بالزغاريد والأهازيج والأفراح العفوية الأصيلة – جِيِدَاً جيتو حبابكو عشرة اتفضَّلُوا لِقِدَّام .
مدخل ثالث: *مقاربات تراثية*
تتفرّد قرانا وبوادينا باهتمام خاص بالتراث وتتنوّع الرقصات وأهازيج الفرح من بيئةٍ إلى أخرى، حيثُ (*المبرّدات والتويا والحارن والعائلة*) وغيرها من الألعاب الجميلة .
في بعض الثقافات لدى المجتمع البدوي الراحل يُجيئُ بالعريس في وقت الأصيل قُبَيْلَ غروب الشمس بقليلٍ، وَيُفرش له البِرِشْ وهو بِساط من السعف الأبيض ويجلس العريس عليه ويتّجه شرقاً مُيمِّماً وجهَهُ شطر المسجد الحرام صَوْبَ القبلة وَيُرَشَ العريس بالحليب طرداً للأرواح الشِّريرة وفألاً بالخير القادم، والبياض خير كما يقولون .
ثم يأتوا بفرس ويجوز مع الكراهة الركوب على الجواد الذكر، ويمتطي العريس ظهر الفرس المُسرّجة دليل على الخصوبة ويركب خلفه طفل أو طفلان صِغار السِّنْ دليل على تواصل الأجيال وتفاؤل بالذرية الصالحة القادمة من رَحِمْ ذكريات الصِّبا بعد مُفارقة حياة العزوبية إلى حياة المسؤولية وقهر الصعاب والتحدي، وهذه التقاليد الموروثة تختلف من مكانٍ إلى مكانٍ ومن زمانٍ إلى زمانٍ .
أما في أم ضوَّاً بان العكس تماماً، تتم السَّيرَة على ظهور الجمال خاصةً العريس ووزرائه ويا لها من جِمال وَجَمال منظر رائع وبديع جداً، حيثُ يتألق العريس بُعداً وَعُلُوَّاً من حياةٍ إلى حَيَوَاتٍ أُخَرْ على مدى الخيال .
تختلف العادات والتقاليد بين أبناء العمومة، ففي بعض المناطق يُزَفُّ العريس على ظهر الفرس وأمامه الشباب يُسَمُّوا (القَراب)، والشابات يَرْقُصْنَ وَيُزغردن وخلفه النساء والخيول وخلفهم الجِمال، أما في أمْ ضَوَّاً بان اللوحة الخلفية تتصدّرها الجِمال والجَمال معاً وبقيةُ القوم في الأمام مُحتفلين ومُبتهجين .
مدخل رابع: *تمازجٌ وانصهارٌ*
المُجتمعات السودانية تربطها ببعضها البعض وشائج قُربى وصلات تأريخية عميقة، وبينهما دماء امتزجت وبطون تصاهرت ومصالح مُشتركة تداخلت .
شَكَّلَ هذا العُرس البهي، حالة خاصة من التلاقي والوداد، حيث كان حضور أهلنا الفور والفلاتة والمساليت والترجم والمراريت والمهادي والتعايشة والإرنقا والتاما والبرقو قيمة مُضافة ترمز للسِّلْمِ المجتمعي الذي تنعمُ به المنطقة وينسابُ نحو المناطق المجاورة.
مدخل: *أخير *
من بين الدروس المُستفادة من العودة للجذور هي: تشجيع وتحريك الهجرة العكسية نحو الريف إلى مناطق الإنتاج، ودعوة السلطات على تقديم الخدمات وإعمال التنمية المُستدامة والاهتمام بالتراث والأعراف الحميدة ونبذ التعصُّب والكراهية واحترام كرامة الإنسان وتعزيز قيمة الحوار وإعلاء القيم الوطنية وقُبُول الآخر .