الخرطوم: صلاح مختار
زيارات مُتعدِّدة للمنظومة الأمنية، قام بها رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان خلال الأيام الماضية، شملت لقاءات مع ضباط وضباط الصف والجنود بالقوات المسلحة والدعم السريع والشرطة وجهاز المخابرات العامة، ورغم أنّ اللقاءات في ظاهرها مُختلفٌ، إلا أنها حملت رسائل مُتعدِّدة لتحقيق هدفٍ واحدٍ وهو وحدة المنظومة الأمنية، تلك الزيارات مثلت أيضاً رسالة بثت تطمينات للقوى السياسية بأن المؤسسة العسكرية مُوحّدة وتعمل في تناغُمٍ من أجل حماية الفترة الانتقالية, تلك الرسائل كما يراها المُراقبون لديها هَدَفٌ آخر تِجَاه الذين يتربّصون بالمُؤسّسة العسكرية وقَوميتها، بجانب قطع الطريق أمام التّشكيك في دعمها للفترة الانتقالية وإشاعة عدم الثقة فيها، وبالتالي فإنّ زيارة البرهان للمنظومة الأمنية حملت أكثر من دلالة ورسالة في بريد الداخل.
هجمه مقصودة
آخر لقاءات رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان مع القوات الأمنية، كانت لتقديم تهاني عيد الأضحى لمنسوبي جهاز المخابرات العامة، البرهان قال خلال مُخاطبته لمنسوبي الجهاز، إن السودان يتعرّض لـ«هجمة مقصودة» تستهدف تفتيته، واختراقات تُهدِّد أمنه الوطني، وشدّد على أهمية جهاز المُخابرات العامة في حفظ الاستقرار وحماية الأمن بالسودان خلال الفترة الانتقالية، معتبراً أنّ «وحدة وقوة الأجهزة الأمنية هي التي حفظت البلاد من الانهيار الشامل»، ووصف المرحلة التي يمر بها السودان بـ«المفصلية»، واعتبر أنّ جهاز المخابرات العامة يتعرّض كغيره من المنظومة الأمنية إلى «هجمة شرسة»، وأوضح أنّ الحديث يدور عن «هجمة مقصودة تستهدف تفتيت السودان، في ظِلّ الكثير من التّهديدات والاختراقات التي تُهدِّد الأمن الوطني»، دون توضيح طبيعة أو ذكر الجهات التي تقف خلفها.
زعزعة الثقة
وخلال لقائه بقادة قوات الدعم السريع وتقديم التهاني لهم بمناسبة عيد الأضحى، أكّد البرهان أنّه «لن يسمح لأي جهة تعمل لزعزعة الثقة بين القوات الأمنية المُختلفة»، مشدداً بحسب ما نقلته “وكالة السودان للأنباء” على «المضِي قُدُماً كقوة واحدة حفاظاً على أمن وسلامة البلاد»، وأوضح البرهان خلال زيارته لقيادة قوات «الدعم السريع» بالعاصمة الخرطوم، أنّ «القوات المُسلّحة ستظل تحرس وتحمي أرض الوطن والمُحافظة عليها من كيد الأعداء والمُتربِّصين، وأضاف أنّ «قوّتنا في وحدتنا»، ودعا إلى «عدم إتاحة الفُرصة للمُتربِّصين الذين يسعون لخلق الفتن».
دعواتٌ مُتكرِّرةٌ
وسبق أن دعا رئيس مجلس السيادة في يونيو الماضي، إلى عدم الالتفات «للشائعات» التي تستهدف وحدة المنظومة الأمنية، مؤكداً انسجام المنظومة وتماسُكها. ونقل بيان للقوات المسلحة عن البرهان قوله، خلال لقاء حضره النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، إن القوات المسلحة والدعم السريع «قوة واحدة وتعمل على قلب رجل واحد، هدفها المُحافظة على أمن الوطن والمُواطنين ووحدة التراب، وإنّها بالمرصاد للعدوّ الذي يسعى إلى تفكيك السودان»، وتابع: «لن نسمح أبداً لأي طَرفٍ يعمل على بَثّ الشّائعات وزرع الفتن بين مكونات المنظومة الأمنية»، وأكّد البرهان الاهتمام «بتطوير القوات المسلحة والدعم السريع، والعمل على المزيد من إحكام التنسيق على جميع المُستويات»، مؤكداً حرص القوات المسلحة على تحقيق السلام الشامل والوصول إلى «اتّفاق وطني مُرضٍ عبر الحوار مع الحركات المُسلّحة التي لم تلحق بركب السلام».
بدوره، دعا “حميدتي” إلى «القضاء على الشائعات التي تستهدف وحدة وتماسُك القوات المسلحة والدعم السريع في مهدها، والحرص على التحصين من أغراضها الضارة»، وقال: «هدفنا واحدٌ، ولدينا مسؤولية تاريخية في الخروج بالبلاد إلى بر الأمان.. الأعداء ينتظرون تنافرنا»، وشدد على أن القوات المسلحة والدعم السريع «يمثلان قوة واحدة تتبع للقائد العام، وتأتمر بأمره»، مُجدِّداً تمسُّكه بإحداث التحوُّل الديمقراطى في البلاد.
تعقيداتٌ أمنيّةٌ
البرهان حرص أيضاً على تقديم التهاني لمنسوبي الشرطة بمناسبة عيد الأضحى، وأكد أن الشرطة هي الضامن للأمن والاستقرار المجتمعي، مؤكداً دعمه لقوات الشرطة.
في ظل تعقيدات أمنية تشهدها البلاد، التقى البرهان في يناير الماضي بقادة الشرطة، مشيداً بجهدهم الغائب في حفظ الأمن بمجالاته العديدة، وقدّم البرهان تنويراً لقيادات الشرطة حول الوضع الراهن والأوضاع على الحدود الشرقية، وأكّد مُساندة الدولة للشرطة في مكافحة الجريمة، ودعا إلى عدم الالتفات للأصوات التي تنتقص من مجهودات الشرطة، كما دعا إلى بذل المزيد من الجهود للحفاظ على أمن المجتمع، وسبق ذلك اللقاء اجتماع للبرهان في القيادة العامة بقيادات عسكرية رفيعة بالجيش من حاملي رتبتي اللواء والعميد، بحضور رئيس هيئة الأركان ونوابه وعدد من قادة الوحدات والتشكيلات، حيث قدم البرهان تنويراً عن ما يجري في الحدود الشرقية، قائلاً “إن السودان لا يريد خوض حرب مع إثيوبيا ولا مع أي دولة من دول الجوار الإقليمي، ولكنه لن يُفرِّط في شبر من أراضيه”، مشدداً على رغبة السودان في الوصول إلى اتّفاق يحفظ له حقوقه المشروعة ووضع العلامات على الأرض، مؤكداً أنّ ما قامت به القوات المسلحة هو انتشار للجيش داخل الأراضي السودانية.
تواصل عسكري
الأمر المُدهش والذي يقف عنده الناس والسؤال عنه، لماذا لم يكن هنالك تواصل مُستمر بين رئيس مجلس السيادة والقائد الأعلى للقوات المسلحة القائد العام مع مكونات القاعدة العسكرية؟ باعتبار القانون يقول إنّ كل تلك القوى العسكرية والأمنية تحت قيادته، والقوانين تقول إن رأس الدولة هو القائد الأعلى لتلك المؤسسة، وبالتالي أن يكون هنالك قطيعة أو غياب هو الذي يُثير هذه التشوُّهات في العلاقات بين تلك المنظومة.
بالمقابل، قال نائب رئيس حزب الأمة القومي الفريق صديق إسماعيل، إن الزيارات التي قام بها البرهان لقوات المنظومة الأمنية وضعت الأمور في إطارها الصحيح، وأخرست كل الأصوات التي تشير إلى وجود أزمة وعداء مُستفحل بين مكونات المؤسسة العسكرية، وأزالت كل هذا الأمر وغطّت بثوب العافية الذي ينبغي أن نحافظ عليه, ودعا صديق في حديثه لـ(الصيحة) إلى أن تتواصل زيارات القائد الأعلى للقوات المسلحة مع كل مكونات المنظومة الأمنية ومع كل المؤسسات بما في ذلك رئيس الوزراء, ودعا كل القادة العسكريين أن يكونوا على تَواصُلٍ مع مُكوِّنات المنظومة الأمنية حتى تصبح هنالك علاقة خالية من كل اتّهامات أو أيِّ مُحاولة للاختراق أو الاستثمار الإعلامي المُضر جداً بالوحدة الوطنية.
مُحاولة اختراق
وأكد صديق أن الدعم السريع جُزءٌ من المؤسسة العسكرية، والبرهان هو القائد الأعلى لكل تلك الأجهزة الأمنية، وأن الزيارات تحمل رسائل تطمينية بوحدة تلك المنظومة، وتُعزِّز وتقوِّي العلاقة بين هذه المكونات والمؤسسات, وأضاف بالقول: (ظللنا منذ قيام الثورة نقول إن الأصوات التي تدعو للنيل من المؤسسة العسكرية هي أصواتٌ تريد الاختراق داخل المؤسسة العسكرية)، مبيناً أن الأصوات التي تدعو للنيل من المؤسسة العسكرية والأمنية تريد أن يكون لها موطئ قدم فيها بأفكارها وآرائها الهدّامة ولذلك هي التي تستثمر في هذا الأمر، وتخلق مثل هذه الشائعات المُضرة، مُطالباً بكبح جماحها والعمل في الإطار المؤسسي المبرمج والاستراتيجي الصحيح حتى نحول بينها وبين أي مُحاولة لإثارة البلبلة والفتنة بين مُكوِّنات المؤسسة العسكرية التي تعتبر صمام الوحدة الوطنية وسلامة السودان.
مُحاولة تشكيك
في المنحى ذاته، وصف الخبير العسكري والمحلل الاستراتيجي الفريق محمد بشير سليمان لـ(الصيحة)، استهداف المؤسسات الأمنية بأنه خيانة وطنية ولا بد أن يتم حسمه، مشدداً على ضرورة التوعية الإعلامية بدور المؤسسة الأمنية وأهميتها ووقوف الأمة السودانية خلفها, وقال “اذا لم يتم ذلك أعتقد ان الأمر مآلاته غير بعيدة”، وشدّد على ضرورة أن يكون هنالك فعل حقيقي لقطع دابر الاستهداف الذي يُراد بالمنظومة الأمنية، واستغرب من الذين يُهاجمون المنظومة الأمنية باعتباره ليس بالأمر السياسي أو الوطني أن تهاجم مؤسستك الأمنية المسؤولة عن الأمن القومي الكلي، وأضاف “ولذلك يعلم البرهان من خلال الزيارات التي يَقُوم بها هذا الهجوم بأنّه يُؤثِّر على معنويات القوات المسلحة وعلى المنظومة الأمنية كلها ويقلل من العامل المعنوي فيها، ويبث الإحباط ويضعف هيبتها وهيبة المؤسسة, التي إذا استهدفت هيبتها تعتبر استهدافاً لهيبة الدولة”، وتابع: ويصبح المطلوب ليس الآن وإنما مبكراً وما بعده أن يظل القائد العام ومن معه في الجهاز التنفيذي على اهتمام وعناية كاملة بهذه المؤسسة, لذلك تجئ الزيارات لتقوية ورفع المعنويات والتأكيد على أهمية المؤسسة الأمنية ودورها الوطني ودعمها بكل ما تيسّر مادياً وتقنياً والتدريب حتى تؤدي واجباتها في ظل الاستهداف الكبير للدولة السودانية.