تقرير- صلاح مختار
فاجأ رئيس حركة جيش تحرير السودان، عبد الواحد محمد أحمد نور الوسط السياسي بزيارة تعتبر الأولى من نوعها إلى كاودا وحظي نور باستقبال كبير من رئيس الحركة الشعبية، والقائد العام للجيش الشعبى لتحرير السودان، عبد العزيز آدم الحلو وقيادات الحركة. وانخرط الحلو ونور، فور وصوله في اجتماع مغلق قبل مخاطبة قيادات الحركة الشعبية في اجتماع مطول بقاعة الشهيد يوسف كوة.
ولكن العديد من المراقبين توقع تلك الزيارة في إطار توحيد أجندة الطرفين خاصة أن الجانبين يحملان نفس الرؤى للتفاوض مع الحكومة, وبالتالي الزيارة لا تخرج من كونها تنسيقاً للأجندات بين الطرفين فيما يتعلق بالتفاوض مع الحكومة, غير أن البعض يرى أن الاجتماع يجيء كذلك كرد على إقالة الحلو من رئاسة الحركة ورسالة للأطراف المعارضة له بأنه ممسك بزمام الأوضاع في المنطقة, وأن الأمور لم تخرج عن سيطرته.
مؤتمر جوبا
سبقت تلك التطورات في جبال النور انعقاد مؤتمر الحركة الشعبية بجوبا عاصمة دوله جنوب السودان من قبل قيادات الحركة الشعبية وأمانة الشباب والمرأة من أبناء النوبة وعبر استفتاء عام تم عزل القائد عبد العزيز الحلو وتم تعيين الفريق تلفون كوكو خلفاً له، الخطوة وصفتها الحركة الشعبية جناح الحلو بأنها مؤامرة لتصفية الحسابات ورفضت في ذات الوقت الاعتراف بمؤتمر الحركة بجبال النوبة الذي قرر تنصيب تلفون، وعدّ القيادي بالحركة د. محمد يوسف المصطفى الأمر محاولة من الحكومة للجوء إلى أشياء وصفها بـ(العبيطة) للتغلب على الحركة كانت تفعلها الإنقاذ.
تمزيق الحركة
في نفس الوقت كان كوكو أبو جلحة قد اتهم قيادات الحركة في كلمة أمام المؤتمر الثلاثي “عقار، عبد العزيز، عرمان” بالتسبب في تمزيق الحركة الشعبية وتشتيت كوادرها بالفصل والإحالة إلى المعاش والإقصاء، وقال “ليس هذا فحسب بل بالإضافة إلى ذلك ما قام به عبد العزيز الذي سطا على البرنامج ليخلق الفتنة الكبرى في تاريخ السودان من خلال برنامجه الشيطاني المتطرف الذي تعدى به على الحقوق الدينية للآخرين، وزاد “فتنة هذا الطاغية امتدت لتشمل ما حدث ويحدث من صراعات دموية بين القبائل الداعمة للحركة الشعبية في جبال النوبة”.
خطوة استباقية
الذي ينظر إلى متون اللقاء يجد أن هناك أجندات متعددة تجمع بين الطرفين منها طرح علمانية الدولة والحديث عن قضية جنوب كردفان ودارفور معاً، والموقف المتعنت لكليهما في التفاوض حتى الآن ورفضهما للوصول إلى تسوية سياسية مع الحكومة.
غير أن المحلل السياسي والمختص في قضايا جنوب كردفان وقيع الله حموده شطة استبعد في حديث لـ(الصيحة) أن يكون اللقاء تم في إطار السلام وتوقيعه أو الاستعداد للتعاون مع الحلو والوفد الحكومي, بدليل أن الحلو ونور متعنتان تماماً في مسألة السلام والتفاوض واضعين في ذلك شروطا شبه تعجيزية, بيد أن الأمر الذي يجمعهما اتفاقهما على علمانية الدولة, حيث أن عبد الواحد يقر بذلك منذ أيامه الأولى ولا يزال كذلك الحلو، الأمر الآخر الذي يجمعهما إحساسهما بأن المجتمع الدولي والاتحاد الأفريقي وداخل السودان بروز أصوات تتعالى وتندد بموقفهما من التفاوض, ومنزعجة لتعنتهما في عملية السلام. بالتالي ربما جاء اللقاء لتنسيق المواقف والأجندات في هذا الاتجاه أو التفاكر على الأقل في ماذا يفعلان في المستقبل.
الأمر الثاني، هنالك حديث وسائل الإعلام حول مشاركة قوات من حركة الحلو في الأحداث الأخيرة لمدينة الجنينة, بالتالي إن دل ذلك إنما يدل على أن هنالك محاولة للربط بين قضية دارفور وجنوب كردفان والحلو نفسه صرح أكثر من مرة خاصة في المفاوضات الأخيرة بحديثه عن دارفور وجنوب كردفان معاً ربما شعر عبد الواحد بأن الربط بين القضيتين يمكن من خلاله تحقيق مكاسب سياسية بالإضافة إلى إمكانية البحث عن موقف جديد وموطئ قدم عبر هذه القضية.
أجندات متعددة
ولأن الصراع في جنوب كردفان ليس بين الحلو وتلفون أو خميس أو غيرهم فإن إعلان تنصيب أبوجلحة رئيسًا للحركة الشعبية أقلق مضاجع الحلو، بل عبر عنه بأن الخطوة تشبه ما تقوم به الحكومة السابقة.
غير أن شطة يرى أن المؤتمر الذي عقد في جوبا كان له تأثيره الكبير على الحركة وألقى بظلاله على اللقاء الذي جمع بين الحلو وعبد الواحد في كاودا ربما الحلو شعر بذلك وربما عبد الواحد جاء لأن كليهما من دارفور يمكن أن يخدم كل منهما قضيته, بالتالي المؤتمر الذي حدث في جوبا هز الحلو لأنه شعر بالخطر. وخطورة موقفه وعزله محاولة جادة وتلك ليست الأمرة الأولى وليست من القيادي جلاب أو المجموعة السابقة، وإنما جاءت من تلفون كوكو الذي يعرف تمتعه بتأييد واحترام كبير وسط أبناء النوبة وجنوب كردفان, ولذلك تنصيبه يعتبر عملية جادة ربما تطيح به خلال الأيام المقبلة من كل مواقعه حتى من القيادة الميدانية, إلان لم يبق له إلا مسرح القيادة الميدانية العسكرية، حيث فقد كل أراضيه, بدليل أن هناك اقتتالاً بين قوات الحلو في كاودا وهي مسألة جاءت متزامنة مع انعقاد المؤتمر وإقالة الحلو وتنصيب تلفون كوكو.
تفسير الأحلام
ولكن القيادي الشاب من أبناء النوبة عيسى عطرون اعتبر إقالة الحلو وتنصيب أبو جلحه انتفاضة لأبناء النوبة في الحركة الشعبية جراء الغبن والتهميش والاستخفاف بقيادات جبال النوبة والدكتاتورية التي ظل يمارسها الحلو بجانب تهمش قيادات النوبة.
ولفت في حديث لـ(الصيحة) إلى أن الحلو ظل يستعين بمجموعه غير نوبية متسلقي السلطة والمناصب الدستورية والذين يريدون الوصول إلى كراسي السلطة عبر جماجم مواطني جبال وقال “غرور الحلو جعل العديد من قيادات النوبة من أمانة الشباب أمانة والمرأة ينعزلون عنه ويرفضون قيادة الحلو للنوبة في المرحلة القادمة، فلجا الحلو أن يستعين في كاوده بعبد الواحد محمد نور في خطوة تعبر عن الإفلاس وفقدان البوصلة السياسية”، مبيناً أن استقبال الحلو لعبد الواحد لا يغير شيئا في عزم أبناء النوبة عزله, وقال “القائد تلفون كوكو يجد قبولا من أبناء النوبة بالسودان قاطبة”.
سيد الموقف
غير أن المحلل السياسي والمسؤول الحكومي السابق نهار عثمان قال إن اللقاء ربما امتداد لاتفاق متوقع، لأن هناك تشابهاً كبيراً في القضايا المطروحة من قبل حركتي عبد الواحد نور والحلو، مع الأخذ في النظر قضايا خاصة بدارفور كالنازحين والحواكير”. وأضاف قائلاً لموقع الحرة “مع ذلك أتوقع مفاوضات صعبة مختلفة عن الطريقة التي تمت بها مفاوضات جوبا.. لا أستبعد دخول وساطة دولية في المحادثات”. وقال نهار عثمان نهار إنه يتوقع أن “يكون العسكر، أيضاً، سيد الموقف في الاتفاق القادم مع عبد الواحد نور”. وأضاف لموقع الحرة “العسكر أصحاب قرار وسلطة فعلية قادرون على تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه. الجانب المدني به تيارات متعددة بعضه يعتقد أن التوقيع مع الحلو أو عبدالواحد سيكون خصماً عليهم”.