مستشارو حمدوك.. لإدارة الدولة أم ترضيات سياسية؟
تقرير ـ عوضية سليمان
بعيداً عن التوقع، أعلن رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك تعيين 4 مستشارين جدد له لينضموا إلى عدد كبير من المستشارين حوله، فعلاوة على وجود وزير رئاسة مجلس الوزراء السابق عمر قمر الدين كمستشار للشئون الخارجية ووجود وزير الثقافة والإعلام السابق فيصل محمد صالح كمستشار إعلامي ود. آدم حريكة كمستشار اقتصادي، تم تعيين ياسر عرمان كمستشار سياسي وعائشة حمد محمد كمستشارة لشؤون النوع الاجتماعي، وجماع عبد الله مستشاراً للحوكمة والإصلاح المؤسسي، وحسان نصر الله علي كرار مستشاراً للسلام.. وقد أثار تعيين المستشارين الأربعة الحديث مجدداً عن مكتب حمدوك الذي ضم عشرات المستشارين في أوقات مختلفة، فيما ذهب البعض إلى أن التعيين لا يخلو من المحاصصات والترضيات سواء كانت حزبية أو إقليمية.
وعلى الرغم من أن الحديث انصب حول مكتب رئيس الوزراء، إلا أن كل التفاعلات في وسائط التواصل الاجتماعي كانت تضع نائب رئيس الحركة الشعبية ياسر عرمان كهدف للحديث ربما لأنه الأكثر شهرة بين المسشارين الجدد وربما لأنه سياسي محنك عركته التجارب الطويلة، لذا فقد جاء تعيينه موضعاً للحديث بين من يرى أنه أهل للمنصب، وبين من يرى أن المنصب أقل منه كونهم كانوا يأملون في أن يتولى إدارة دفة التشريع كقبطان وقائد للمجلس التشريعي المرتقب.
وربما أبدى المؤتمر الشعبي تخوفاً بائناً من تعيين عرمان، فقد أشار الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي عبد الوهاب أحمد في تصريح لـ(الصيحة) إلى أن تعيين عرمان ربما يصب في صالح تقوية الحلقة التي يحكمها مفصولو الحزب الشيوعي حول حمدوك، وقال “سندور في فلك ما يدبر من مفصولي الحزب الشيوعي ويعارَض عبر اللجنة المركزية”، لكنه أكد أن تعيين مستشارين لحمدوك خطوة عادية ولا غرابة فيها خاصة وأن تعيينهم ربما جاء وفقاً لاتفاق سلام جوبا خصوصاً وأن عرمان يحمل آمال الحركات المسلحة.
حمدوك حر
وعلى الرغم من الخصومة السياسية بين الحركة الشعبية جناح مالك عقار والحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو، فإن القيادي بحركة الحلو محمد يوسف أحمد المصطفى يرى في تصريح لـ(الصيحة) أن رئيس الوزراء حر في اختيار مستشارين له وأن الأمر لا يعنيهم في شيء، إلا في حالة أن يكون عرمان جزءاً من وفد التفاوض الحكومي مع الحركة خلال المفاوضات التي تجري بين الجانبين في جوبا وقال “إذا جاء أحد من كانوا معنا في الحركة وانشقوا عنا ضمن وفد التفاوض فسيكون التفاوض بيننا غير مباشر وسيكونون في غرفة ونحن في غرفة والوسيط بيننا”، مؤكداً أن المفاوضات لن تجمعهم مع عرمان.
لا تكلفة
ورغم أن الحديث قد دار كثيرا حول ترهل مكتب رئيس الوزراء وتأثيره على الأداء في مجلس الوزراء وتكلفته العالية التي تثقل كاهل الخزينة العامة، إلا أن أحد مستشاري حمدوك نفى ذلك قطعياً، وقال لـ(الصيحة) ـ بعد أن اشترط حجب اسمه ـ إن الجميع يعلم أن تكلفة تسيير مكتب رئيس الوزراء لا تكلف خزينة الدولة شيئاً كون أن الاتحاد الأوربي يتكفل بكافة منصرفات تسيير أداء مكتب رئيس الوزراء في إطار اتفاق لدعم وتسهيل الانتقال في السودان عقب ثورة ديسمبر التي مهدت لإعادة العلاقات الطبيعية بين السودان والمحيط العالمي، ويؤكد أن المستشارين لا يمثلون محاصصات حزبية أو إقليمية ولكنهم ضرورة يراها رئيس الوزراء للمساعدة في تسيير أعمال الدولة.
تقوية موقف
ومن جانب آخر يرى المحلل السياسي الرشيد أبو شامة في حديث لـ(الصيحة) أن تعيين المستشارين أمر محمود ولم تكن الحكومة السابقة تهتم به، مبيناً أنه ليس ضد تعيين مستشارين بل يدعم ذلك، لأن حمدوك ومنذ مجيئه ابتدع فكرة تعيين مستشارين له، ويشير إلى أن تعيين ياسر عرمان مستشارًا سياسياً لحمدوك هذا قد يقوي موقف حمدوك موضحاً بأن عرمان يمثل مجموعة كانت متمردة ورافعة السلاح. وأردف: عرمان بطبعه رجل قوي بمقدوره أن يدعم حمدوك بقوة، وكشف أن عرمان لديه مواقف سياسية كثيرة واختلف سياسياً مع الكثيرين، لذا فإن تعيينه سيكون بمثابة نصح وتوجيه لحمدوك، وقال: “عرمان من النوع الذي إذا كان في موقع وشعر بعدم التجاوب مع ما يطرح سيقدم استقالته ويترك الوظيفة”، وقال “في حال عدم سماع حمدوك له سيستقيل من المنصب لأنه شخصية قوية ذات خبرة”، مبيناً أن ياسر عرمان محارب قديم ورجل مفاوضات في الداخل والخارج ويعرف جيداً تاريخ السودان، لذلك سيكون مستشاراً سياسياً موفقاً لحمدوك كون أن ياسر عرمان سيستدعي خبراته السياسية والعسكرية لدعم حمدوك الذي اتضح أنه ليس عسكرياً ولا سياسياً ولا ينتمي إلى أي حزب من أحزاب قوى الحرية والتغيير أو تجمع المهنيين.
واستبعد أبو شامة أن يكون اختيار عرمان محاصصة سياسية لأن عرمان عرضت عليه وظيفة وزير ورفض لأن عرمان وراؤه قوة كبيرة الجبهة الشعبية بقيادة مالك عقار، لذلك اختيار عرمان لحمدوك موفق لأنه فيه كل الجوانب.
مقومات
وربما كان اختيار عرمان طاغياً على كل المستشارين لكن وجد اختيار عائشة حمد تفاعلاً كبيراً خاصة وأنها شابة قادمة من شرق السودان وتمثل قومية ظلت تشكو دوماً من تهميشها سياسياً، فكان أن عرفت عائشة حمد بأنها أول امرأة من البجا تتقلد منصباً رفيعاً وتدخل مجلس الوزراء ما شكل لها بعداً احتفائياً كبيراً في شرق السودان كما أنها إحدى المدافعات بشدة عن قضايا النوع وقضايا المرأة والطفل، فضلًا عن كونها شابة في ريعان شبابها بالإضافة إلى أنها وعلى غير العادة لم تخرج من أسرة ارستقراطية مثل المستشارين الذين تم تعيينهم في أوقات سابقة ما جعل الكثيرين يرون أن اختيارها كان موفقاً جداً من قبل رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك.
آمال
وبرغم تجاوز الحديث عن الترهل في مكتب حمدوك يظل الأمل منعقداً على أن يكون المستشارون القدامى والجدد آلية لدفع الانتقال الديمقراطي في البلاد وألا يكونوا كما كان المستشارون في العهد السابق يتخذون من منصب المستشار وظيفة لتأكيد وجودهم السياسي لدرجة أن البعض شبهها بكرسي المعاش السياسي.