صلاح شعيب يكتب :الكوزنة سلوكٌ في ما خص فزورة التشريعي
السِّياسيون أذكياءٌ في التكويش متى ما لاحت لهم فُرصة. فكل تياراتنا الثورية بلا استثناء تماطلت في إفساح المجال للمجلس التشريعي حتى يَعلو رأي مُمثلي الشَّعب فوق رأيها الفئوي. طبعاً التبرير هو أسهل مُعدّات السياسي زعيماً، أو تابعاً له. فإذا سَألت أحدهم عن السَّبب الجوهري لتأخير قيام المجلس حتى الآن فبُكل سُهُولة سيقول لك إنّ هناك تحديات، وخلافات، والمُشاورات لا تزال جارية.
وإذا سَألته عن جدوى تكوين مجلس شركاء السُّلطة بهذه السرعة الصاروخية لبَرّر لك بلهجة باردة، ومسيخة، وواصل بكلِّ هدوءٍ في احتساء الشاي. وقبل أيّامٍ خرجت علينا مسؤولة لتقول لنا إنّهم عجزوا تماماً في التوفيق لتشكيل التشريعي!.
قلنا من قبل إنّ قوى الحرية والتغيير القديمة، والجديدة، ومجلس الوزراء، والسيادي، والحركات، التفوا على الوثيقة الدستورية في غير ما مرّةٍ، وليس فقط في ما خص أمر النيابة البرلمانية المعينة افتراضاً. فلدى كل طرف كانت هناك مصلحة في تأجيل قيام هذه النيابة لتضطلع بدورها فيما صرنا على أبواب انتهاء فترة الثلاث سنوات التي حدّدتها الوثيقة نفسها أولاً.
اللاعبون الأساسيون في المشهد السياسي يدركون تماماً أنّ المجلس التشريعي سينهي تفويضهم، ويجعلهم مُتفرِّجين على كل ما يبدر منه. ولذلك يتماحكون، ويتكاسلون، ويفذلكون، لمدة عامين حتى يسعفهم الزمن في ترسيخ سياسات، وتوجُّهات، وقوانين، وأشخاص معينين بلا تأهيل، فضلاً عن ذلك يريدون تكبير النفوذ السياسي قبل أن يأتي التشريعي ليردها إلى مظانها الطبيعية.
رئيس الوزراء شاطر جداً في هذه الناحية فكل ما يُمكن أن يفعله هو أن يرمي الكرة أو اللوم، على ملعب قوى الحرية والتغيير. وقبل شهر كشّر وجهه أمام الكاميرا ليقول لنا إن المجلس لا بد أن يتكون بعد شهر. وهو بتلك الصرامة المشكوك فيها يبعد عن نفسه أي تهمة. ولكنه لو جلس في بيته وأعلنها في التلفزيون أنه لن يذهب إلى مكتبه إذا لم يتم تكوين المجلس في ظرف أسبوعٍ، فعند هذه الحالة سيدرك ناس “قحت” فداحة الواقع، وستجدون التشريعي حالاً حقيقة واقعة.
لا اعتقد أنّ السيد حمدوك سيفعل ذلك الموقف لصالح السودان. أو قُل لصالح ديموقراطية الممارسة حتى لا تعبث فئة مُقسّمة بين خطوط السلاح الناري والسياسة اللولبية بمصير الانتقال، وبعده.
ولكن حمدوك يدرك أن مُبادرته هذه ما كانت لتخرج للعلن إذا كان هناك مجلس تشريعي مسؤول، وقادر على معالجة كل القضايا التي طرحها في المبادرة. وعلى فكرة لا يزال حمدوك مُفوّضاً من الثورة ليفعل ما يراه مناسباً، ولا يحتاج لاستئذان أحدٍ في ما لا يراه مناسباً كذلك. وقد وظّف هذا التّفويض داخلياً وخارجياً، وأنجز بما أنجز، وأخفق بما أخفق. ولو أراد أن يتخلّص من التّمكين في الخدمة المدنية مثلاً بجرة قلم فإنّه يستطيع أن يفعل بشكل أيسر من تَعييناته الأخيرة. ولكنه ربما يُريد استواء اللحظة ليُعلن حقيقة مُبادرته التصالحية مع الإسلاميين، وفقاً لما قاله د. النور حمد.
لن ينصر حمدوك، الثوار بتطبيق نص مهم في الوثيقة الدستورية عبر التهديد بالاستقالة غضباً على مماحكة جماعة “قحت”، واهتمامها بمجلس الشراكة أكثر من التشريعي، وكذلك المناصب التي تزين بها بعض رجال ونساء كانوا من دعاة الهبوط الناعم.
أما الإخوان، والأخت الوحيدة في السيادي، أيضاً فلا يعلو صوتهم إزاء ضرورة إكمال هياكل الفترة الانتقالية. فهم بالكاد مرتاحون لوضعيتهم التي فيها جانب يتعلّق باتخاذ قرارات تنفيذية بالإضافة إلى مُشاركاتهم التشريفية. ولذلك لا يريدون نائباً يستفسر عن جدوى استمرارية ميزاتهم التنفيذية في ظل وجود جهة دستورية معنية.
على صعيد موقف الحركات المسلحة، فلا يختلف الموضوع كثيراً عن بقية المكونات في هذا الشأن الدستوري. بل إن الحركات لديها مصلحة أكبر بألا تأتي من مناطق النزاع بنية برلمانية تتخلق في الخرطوم، وتكون سلطتها أعلى ثم تضايقها في النجوع، والربوع هناك. ولذلك ما وجدت زعيماً غادر منطقة التهميش مترقياً إلى منصة التأسيس المتمركز حريصاً على المُناداة بالإسراع بالتشريعي. ولو من باب التمويه، أو إظهار خلاف ما يُبطن.
عموماً أعتقد أن الانتقال سيطول في ظل إهمال التشريعي، وعدم أخذه بمحمل الجد من قادة الخرطوم. فإذا بقي أمامنا أقل من سنتين للانتخابات – وفقاً لتعديل الوثيقة – فلا أعتقد أنّ المدة المُتبقية تسعف دوراً محورياً تشريعياً للتصديق على ما فات – ومن بينه التطبيع كما قال حمدوك – وجملة القوانين والممارسات المجازة، والتصديق على قانون الانتخابات.
وطبعاً إذا تكون المجلس لا قدر الله فإنّ في داخله سيتكور في لبه نواب مسائل مستعجلة بأثر رجعي. وفي هذه الحالة نتوقّع أن يدعو نائب لحوح إلى مساءلة مريم الصادق عن لماذا نطت من واشنطن إلى موسكو مباشرة وليس براغ، وعلاقة ذلك بأول زيارة لوالدها بعد انتخابه إلى إيران، وليس مصر، أو السعودية. والفعلان الدبلوماسيان اختراق في قدرتنا على مُخالفة نواميس المصلحة الوطنية. وفعل مريم لم يسبقها فيه وزير خارجية “عالمثالثي” اللهم إلا لو أرادت الحلم بتأكيد استقلالية دبلوماسيتنا الجديدة في عصر الحرب السيبرانية. ولكن عملياً هذا الحلم غير حادث. فالمنصورة، وقبلها أسماء، وقمر الدين، لم يستطيعوا الطيران إلى إيران لتتدخّل في شؤوننا كما يفعل محمد بن زايد، أوMBS ، ومالنا نذهب لطهران البعيدة فعلاقتنا مع الدوحة غير متكافئة مع علاقتنا بالرياض. لماذا؟
مجلس شركاء السلطة الانتقالية يضحك على كثيرين، وليس كاتب هذا السطور من ضمنهم. فإذا استقرّ رأيهم على أنّه مجلس تنفيذي يُقرِّر حول حكام الأقاليم أيضاً، ويقوم بدور تشريعي، وليس تنسيقياً، كما خدعونا أول مرة فعليهم ألا يكذبوا على الشعب السوداني.. إذ لاحظتهم يجتمعون في القصر، ونحن في سجن الوعد بقيام سُلطة نيابية.. بالمناسبة الكوزنة سلوك!