الشيخ عادل حسن حمزة: في هذه الدورة حدثت إصلاحات في قانون المجمع واللوائح التي تُسيّر أعماله
مجال عمل مجمع الفقه الإسلامي ليس في الموافقة أو الاعتراض على قرارات الحكومة
لهذا السبب صدر قرار بتبعية المجمع لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف
قد يكون لوزير الشؤون الدينية والأوقاف رأي ولمجمع الفقه رأي مختلف في نفس المسألة
الخرطوم: (سونا)
مجمع الفقه الإسلامي هو إحدى الوحدات التابعة لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، تم تكوينه بصورته الحالية بناءً على التوصية التي تقدم بها السيد وزير الشؤون الدينية والأوقاف، ويمثل أعضاء المجمع كل الطوائف والجماعات الإسلامية في السودان، وقد روعي في تشكيله مختلف التخصصات العلمية سواء في مجال العلوم الشرعية أو العلوم التطبيقية.
سونا التقت بالبروفيسور الشيخ عادل حسن حمزة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي وأجرت معه الحوار التالي:
– عرّفنا بمجمع الفقه ومهامه؟
له مهام عديدة وكثيرة ويمكن أن تعرف ونستنتج من خلالها الأهداف التي من أجلها تم إنشاء مجمع الفقه الإسلامي. من أهم الأهداف إحياء سنة الاجتهاد الجماعي في زمان كثرت فيه النوازل والمسائل والأحداث والمستجدات التي تحتاج لهذا النوع من الاجتهاد.
فيما مضى قد يكون الناس في حاجة إلى علماء في تخصصات متباينة متفرقة يجيبون عن أسئلتهم وتساؤلاتهم لكن الآن العالم الإسلامي يحتاج إلى مجموعة من التخصصات في مكان واحد للنظر في المستجدات العصرية وتخرج بآراء وخيارات إن لم تكن فتاوى وقرارات من شأنها أن تجيب على التساؤلات وتدفع المجتمع والحياة للأمام.
ونجد مجمع الفقه الإسلامي له صلة بالمجتمع وكل شرائحه وفئاته، وكذلك له صلة بالجهات الرسمية مصدر صنع القرار في البلاد.
ويقدم مجمع الفقه الإسلامي خدمات في جانب الاستفتاءات التي تقدم من قبل الأجهزة الرسمية بالدولة ويضع حلولاً لكثير من المشاكل التي يمكن أن تواجه سير العمل سواء كان في مجال الحكم والسياسة أو غيرها من المجالات.
– كيف تم اختيار عضوية مجمع الفقه الإسلامي الأخيرة وهل لها علاقة بالمحاصصات السياسية؟
الدورة الحالية للمجمع هي السادسة ومدة الدورة حسب قانون المجمع أربع سنوات وتم تكوين مجمع الفقه الإسلامي بقرار صادر من رئاسة الجمهورية في العام 1998م لتحقيق عدد من الأهداف لأنه مؤسسة دولة ولا يمكن أن ينظر إليه بأنه مؤسسة حزب أو تنظيم، لذلك كان لابد أن يستمر رغم أن هناك أصواتاً نادت بحله، ولكن بالنظر لخارطة الدول الإسلامية نجد أن دار الإفتاء حسب التسميات المختلفة فى العديد من الدول الإسلامية لكن المعنى والهدف واحد وأي دولة إسلامية لابد لها من وجود هذه المؤسسة لتحقيق الأهداف التي ذكرت جزءاً منها آنفًا.
وكان اختيار هذه الدورة مختلفاً تمامًا عن الدورات السابقة حسب المتابعة للطفرة التي يمكن أن نسميها وتمت في اختيار عضوية المجمع.
ووزير الشؤون الدينية والأوقاف بعد أن آل إليه الإشراف على المجمع اختار هذه العضوية ورفع توصية للسيد رئيس مجلس الوزراء باعتمادها وإكمال إجراءات التعيين.
أما فيما يختص بـالمحاصصات السياسية الوزير نفسه سئل عن هذا الأمر فقال إذا كانت هناك محاصصة فهي إيجابية وحسب ما فهمنا من حديثه من أسس اختيار عضوية مجمع الفقه الإسلامي للدورة الحالية هو مراعاة التنوع الفكري والفقهي الموجود في السودان بخلاف ما كان عليه الأمر في السابق، ولا نريد أن نتحدث عن الجوانب السلبية، لأننا ينبغي أن نتحول إلى البناء أو الى إتمام البناء الذي بدأ.
وهنالك بناء بدأ في مجمع الفقه الإسلامي ولابد من مواصلة وتدعيم ما حدث سابقاً مع تجاوز السلبيات والتي فعلاً تم تجاوزها من خلال اختيار العضوية فبدل أن تكون معظمها حصراً وحكراً لفكر أو تنظيم واحد حدث نوع من التنوع في العضوية ومراعاة الاختلاف النوعي والفكري سواء كان في الجانب الفقهي والفكري وبالنظر لعضوية المجمع الآن ترى التنوع واضحاً وأفضى إلى انسجام ونوع من تقارب الأفكار والآراء، وهذا ثبت فعلياً في القرارات التي صدرت عن المجمع في دورته الحالية في معظمها إن لم يكن كلها كانت بالإجماع أو ما يقارب الإجماع.
– دور مجمع الفقه الإسلامي في الأزمة الاقتصادية التي تمر بالبلاد خاصة وأن هناك بالمجمع دائرة للشؤون الاقتصادية والمالية؟
الأزمة الاقتصادية أمر واقع يعيشه الناس بمختلف مستوياتهم ومسؤولياتهم ومجمع الفقه الإسلامي أحد هذه المستويات وهي المعنية بالاهتمام بما حدث من أزمات اقتصادية ومعني أيضًا بالمساهمة في إيجاد بعض الحلول من خلال الهدي الإسلامي الحنيف الذي يدعو للتكافل والتراحم والتعامل، وهذه في حد ذاتها من أهم المسائل التي يمكن أن تعين الناس مهما اشتدت الضوائق، وإذا وجدت روح التعاون والتكاتف والتراحم والأخلاقيات التي جاء بها الإسلام.
فالمجمع مهتم جداً بالقضايا الملحة التي تلامس حياة الناس ومعاشهم، صحيح أن هنالك دائرة اقتصادية لكن شأنها واختصاصها يتمثل في الإجابة عن الاستفتاءات المتعلقة بالمعاملات الاقتصادية التي تصدر إما من الدولة أو عامة الناس فيما يتعلق مثلًا بالبيع والشراء والمعاملات المصرفية وغيرها.
أما الدائرة المعنية والمختصة بمجابهة الإشكالات الاقتصادية في حياة الناس هي دائرة (الأسرة والشؤون الاجتماعية)، وهذه الدائرة لها مشروع طموح وتصور كبير في الدورة الحالية للمجمع للمساعدة في التخفيف من بعض هذه المعاناة لعدد من الشرائح إما بدعم مباشر أو بإيجاد وسائل مع إيصال صوت هذه الشرائح المحتاجة للجهات الرسمية والوقوف والمساعدة حتى يحدث نوع من تخفيف المعاناة.
والدائرة اهتمت جدًا بأمر الأطفال فاقدي السند وإقامة ندوة بها عدد من الأوراق التي تعالج الظاهرة وقامت بزيارة رسمية لدار المايقوما ووقفت على حجم المشكلة وقدمت بعض العون برعاية من وزير الشؤون الدينية والأوقاف ماديًا ومعنويًا وتم الوصول للوزارة المعنية، وهي الرعاية الإجتماعية لتسليط الضوء على معاناة الأطفال فاقدي السند والعاملين في المراكز والدور التي تأويهم.
وهناك شرائح أخرى يمكن لدائرة الأسرة والشؤون الاجتماعية أن تساهم في تخفيف المعاناة بقدر المستطاع وأيضاً مشروع سيقدم في الاجتماع القادم لهيئة المجمع عن بعض النصائح التي يمكن أن توجه للحكومة والمواطنين كبيان رسمي يصدر من المجمع حول الضائقة المعيشية التي يمر بها الناس الآن، نصائح توجه للحكومة فيما يتعلق بمضاعفة وزيادة الاهتمام بهذا الملف وهو من الأسباب التي قامت بها ثورة ديسمبر وطالب من خلالها الشعب بالتغيير والتخفيف من المعاناة الحادة التي يعاني منها الشعب زمناً طويلًا، فكونها تستمر أو تزيد فهي مسألة تحتاج لوقفة ومراجعة وإيجاد وسائل وحلول ومخاطبة المواطنين في بلادنا بالتخلق بالأخلاق التي من شأنها أن تعضد التكاتف بين الأفراد وتبعد الطمع والجشع والاحتكار وأيضًا اللائمة لا تلقى على الدولة وحدها إنما هناك ممارسات نرى أنها جديدة ودخيلة على الشعب السوداني وإذا رجعنا إلى أخلاقنا وصفاتنا السمحاء يمكن أن نساهم في حل هذه الضائقة، والمجمع سيوجه نداءات في شكل بيان في مشروعه القادم.
– هل المجمع شريك في وضع المناهج علماً بأن هناك دائرة للمناهج في المجمع وهل تمت استشارتها في وضع المناهج الجديدة وأيضًا هناك أنباء عن قيام مؤتمر للمناهج ماذا عن هذا المؤتمر؟
قضية المناهج من الأهمية بمكان، وشغلت الرأي العام في الفترة الأخيرة ولا تزال، خاصة المهتمين بقضايا المناهج والتربية والتعليم، وتابع الجميع دور المجمع في المناهج التى تم إلغاؤها لأن مجمع الفقه أوصى بذلك لوقوفه عبر مختصين على عدد من الأخطاء كانت كفيلة بأن يعاد النظر في هذه المناهج التي تم تأليفها وكانت هناك محاولة لتمريرها على المدارس في مختلف المراحل التعليمية.
وحسب قانون المجمع السابق كان معنياً بمراجعة المناهج، والمراجعة لابد أن تكون من أكثر الناس اختصاصًا في هذا المجال لأنهم سيراجعون مناهج وضعها مختصون فالمراجعة تكون أصعب وتحتاج لمؤهلات أكبر.
وفي الدورة الحالية حدثت إصلاحات حتى في قانون المجمع واللوائح التي تُسيّر أعماله، فكان قرار السيد رئيس مجلس الوزراء أن تكون وزارة الشؤون الدينية والأوقاف شريكاً في وضع المناهج والممثل للوزارة لتنفيذ هذه الشراكة في وضع المناهج هو مجمع الفقه الإسلامي عبر دائرة (الأصول والمناهج)، وهي بها عدد من المختصين في مجال المناهج وطرق التدريس والعلوم التربوية، فلذلك وبنص هذا القرار في المجمع شريك ونأمل أن لا يتم تجاوز المجمع في أي منهج يتم وضعه ليس في مادة التربية الإسلامية وحدها وإنما في المواد الأخرى، لأن هنالك فهماً عند بعض الناس حتى إذا تدخل المجمع في مناهج التربية الإسلامية مع أن الإشكال القائم وبسببه تم إلغاء المناهج التي تم إعدادها كانت في كتاب التاريخ فيمكن أن تكون في مواد أخرى إشكاليات مشابهة، لذلك حرصنا في المجمع أن يتولى هذه الدائرة مختصون في المجال ولها الحق أن تستعين بخبراء من المركز القومي للمناهج ويتم تداول قضية المناهج بكل تخصصية، وحدثت القرارات التي أرجعت أمر المناهج إلى طريقه الصحيح.
– سابقاً مجمع الفقه الإسلامي يتبع لرئاسة الجمهورية والآن لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف هل هذه التبعية نوع من التقليل وعدم الاستقلالية؟
قرار تبعية مجمع الفقه الإسلامي لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف للتخصص والإشراف المباشر من الجهة المعنية بهذه المؤسسة وبهذا الاعتبار والمعنى لا يمكن أن تكون هذه التبعية فيها تقليل من دور المجمع أو استقلاليته أو التدخل في قراراته.
والواقع يؤكد أن استقلالية المجمع في قراراته والفتاوى التي تصدر عنه بها استقلالية تامة وتبعيته للوزارة إشرافية وإدارية، وهو وحدة تابعة للوزارة ولا يكون هناك تدخل مباشر من الوزارة، وأكبر دليل على ذلك أن قرارات المجمع التي صدرت لا تعبر عن رأي الوزارة أو الوزير بصفة شخصية، بل ربما يكون لوزير الشؤون الدينية والأوقاف رأي ويصرح به في أجهزة الإعلام لكن يكون لمجمع الفقه رأي آخر مختلف في نفس المسألة، ولم يحدث أبداً أن تدخل الوزير مباشرة أو وجه المجمع لقرار أو فتوى معينة طلبت من المجمع وإنما ترفع فتاوى المجمع وقراراته لوزير الشؤون الدينية والأوقاف من باب التبعية الإشرافية.
– هل لمجمع الفقه الحق في الاعتراض على قرارات الحكومة الانتقالية خاصة إذا كانت منافية للشرع ومدى الاستجابة لذلك؟
مجال عمل مجمع الفقه الإسلامي ليس في الموافقة أو الاعتراض على قرار الحكومة هذا ليس مجاله ولا الوصف الوظيفي، وإنما هو مجمع فقهي شرعي يقدم الرأي الشرعي خاصة في المسائل التي تحتاج إلى اجتهاد جماعي، وطبعاً المسائل النصية مفروغ منها والمجمع يقدم الفتاوى النصية التي تعتمد على النص المباشر في قضايا مثل العبادات والمعاملات، ولكن فيما يتعلق بالنوازل والتي تحتاج إلى اجتهادات ومن بينها مسائل السياسة والحكم أو ما يسمى بالسياسة الشرعية، هذه التي تحتاج لاجتهاد والمجمع يصدر ما هو معبر عن رأي الشرع بغض النظر هل يوافق رأياً للحكومة أو قرارًا لها أو عارض.
– الاجتماع بشأن الفتوى هل هو مصدر قوة أم ضعف ولماذا علماً بأن هناك عدة تيارات في عضوية مجمع الفقه؟
طالما أن هناك اجتماع فهو مصدر قوة طبعاً بلا شك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (لا تجتمع أمتي على ضلالة، وفي رواية، على خطأ) فإذا كان اجتماعاً أفضى لإجماع فهذا هو المطلوب.
أما إذا كان السؤال عن الاختلاف الفكري والفقهي بين التيارات التي يتكون منها مجمع الفقه فهو يمكن أن يكون اجتماعاً يؤدي إلى ضعف إذا كان هناك تنافر بين هؤلاء المجتمعين وتقديم للانتماء الشخصي أو الفكري للجهة أو الجماعة على المصلحة التي يقتضيها الاجتماع للنظر بعيدًا عن الانتماء الضيق والحاصل هو التوافق وليس التنافر وهذا ما لمسناه بكل صدق في الفترة السابقة فجميع أعضاء مجمع الفقه الإسلامي بمختلف تياراتهم وأفكارهم وجماعاتهم وطوائفهم ومشاربهم لمسنا منهم تقديماً للرأي العلمي المحض بعيدًا عن أي خلفية أخرى، وهذا الاختلاف في التنوع مصدر قوة للفتوى التي تخرج.
– هناك اتهام بأن تحري الرؤية لهلال شهري رمضان وشوال يخضع للشأن السياسي؟
ليس هناك مبرر أن يكون تحري الرؤية خاضعاً للآراء والمزاج السياسي بأي حال من الأحوال، ومجمع الفقه في دورته الحالية يتحرى كل الشهور القمرية بالطريقة المعروفة العلمية والنظر بالعين، وهو أمر شرعي ووارد في السنة وشهر رمضان وشوال ليسا مختلفين عن بقية الشهور ولا تخضع لأهواء وآراء سياسية بل يخضع لوجهات النظر الشرعية ومعايير يختلف عليها من منطقة لأخرى في العالم الإسلامي.
ومجمع الفقه يأخذ بمعيار إذا ثبتت الرؤية في بلد يشترك معنا في المطلع أو في جزء من الليل وثبتت فعلاً فيه الرؤية فنأخذ بها ويعلن ثبوت الشهر ولا داعي لإخضاع عبادة لرأي سياسي وهذا لا يستقيم عقلاً وليست هناك حاجة إليه.