بهاء الدين قمر الدين يكتب : مَن الذي يَغل يد القانون والعدالة في بورتسودان الجريحة؟! (٢)
ومدينة بورتسودان الآمنة والوادعة وحاضرة البحر الأحمر؛ وعروس الشرق الجميلة؛ لها أهمية كُبرى في خارطة الوطن؛ فهي ميناء السودان الأول وثغره الباسم؛ وتستفيد منه دولٌ أخرى مثل إريتريا وتشاد وإثيوبيا ودولة جنوب السودان؛ سيما الدول التي ليست لها موانئ ولا تطل على سواحل!
علاوة على أن الموقع الاستراتيجي للمدينة؛ أكسبها أهمية كبرى؛ ذات أبعاد اقتصادية وعسكرية وأمنية و(جيوسياسية)!
وكانت مدينة بورتسودان مسرحاً لأحداث وعمليات عسكرية واستخباراتية في السابق والماضي القريب، ولعل أكبر وأخطر الأحداث التي دارت فيها وأشهرها؛ عملية ترحيل اليهود الفلاشا إبان حكومة الرئيس الراحل جعفر محمد نميري في ثمانينيات القرن المنصرم؛ حيث تم ترحيلهم سراً من إثيوبيا إلى إسرائيل عبر منتجع عروس الذي أقامته المخابرات الإسرائيلية خصيصاً لهذه العملية الكبيرة؛ والتي تمّت بنجاح تحت تكتُّم وسرية تامة؛ في عمل استخباراتي من الدرجة الأولى؛ لم تتكشّف كثير من خيوطه حتى اليوم؛ فقد ضرب عليها تعتيمٌ شديدٌ رغم مرور سنوات طويلة بيد انها ظلت (عذراء لم تفض بكارة سريتها بعد)؛ والكثير من تفاصيلها لا تزال في طي الكتمان وحبيسة أدراج المُخابرات الإسرائيلية والسودانية رغم مُرور قرابة نصف القرن من الزمان !
وشهدت بورتسودان في عهد حكومة الإنقاذ المُبادة عمليتين وضربتين جوِّيتين وغارتين عسكريتين، قام بهما وشنّهما الطيران العسكري الإسرائيلي؛ استهدفتا عناصر من حركة حماس الفلسطينية بهدف القضاء على عمليات تهريب السلاح إلى إسرائيل عبر حدود سواحل البحر الأحمر الطويلة!
كما أن هنالك قبائل مشتركة سودانية وإريترية وإثيوبية تتحرّك بحرية تامة ما بين الأقطار الثلاثة؛ عبر الحدود المشتركة والمفتوحة!
كما تنشط فيها عمليات التهريب للسلع والبضائع وبعضها (خطر ومدمر وقاتل)!
ومن نافلة القول ومن المعلوم بالضرورة، إنّ (أعين المخابرات) العالمية والإقليمية وبعض الدول (الأشقاء) العرب والأفارقة؛ ترصد وتراقب الوجوه، وتحصي الأنفاس، وتتابع بدقة كل كبيرة وصغيرة في المدينة الساحلية المُهمّة ذات الموقع الديمغرافي والاستخباراتي والعسكري الاستراتيجي المهم والمؤثر!
ولا ننسى أن تجارة تهريب البشر تنشط وتُمارس بكثافة عبر الحدود الساحلية والإقليمية في ثغر السودان الأول!
كل تلك الحقائق جعلت مدينة بورتسودان مركزاً للتنافُس بين أجهزة الاستخبارات الدولية؛ الأمر الذي حَدَا بكثيرٍ من الدول أن تُفكِّر في بناء قواعد عسكرية على امتداد موانئ ومُدن ولاية البحر الأحمر!
وإذا أردنا أن نتفهّم ونُحلِّل طبيعة الأحداث الدامية التي شهدتها مدينة بورتسودان مؤخراً؛ علينا أن نستصحب كل تلك التقاطعات والتعقيدات!
ولكن أغرب ما في أمر تلك الحوادث الدامية؛ والتي خلّفت أكثر من (١٥٠) قتيلاً وشهيداً منذ انفلات عقال شيطانها؛ أنّ الجناة الذين ارتكبوا تلك الجرائم لم يتم تقديمهم للمحاكمة العادلة؛ لينالوا الجزاء العادل الوفاق بالقسطاس المُستقيم؛ على الرغم من إلقاء القبض عليهم من قِبل الأجهزة الأمنية؛ منذ بداية شرارة الأحداث منذ عهد الإنقاذ المُباد حتى الأحداث الدامية الأخيرة في نادي الأمير بحي سلبونا الآمن والمطمئن؟!
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة مَن الذي يرتكب جرائم الموت الزؤام في بورتسودان، ولماذا يفلت من يد العدالة المغلولة والمبتورة هناك!؟
وللإجابة عن هذا السؤال المهم نقول؛ إن (العنصر القبلي) المُتورِّط في تلك الجرائم هم (أيادي وغطاء وأدوات) فقط؛ تحركهم مثل قطع الشطرنج؛ عناصر من نظام الإنقاذ البائد بهدف إذكاء نيران الفتنة والحرب؛ لضرب الثورة في مقتل وإشاعة الفوضى الخلاقة مُستفيدين من حالة السيولة الأمنية التي تعيشها المدينة وكل السودان اليوم!
أيضا أجندة المخابرات العالمية ودُول الجوار والأشقاء حاضرة بكثافة في المشهد الدامي!
وذات الأيدي الخارجية والداخلية التي ترسم السيناريو الدامي في بورتسودان وتُحرِّك الأرجوزات وعرائس الموت؛ هُم ذاتهم أصحاب سطوة وسلطة وشوكة؛ تغل يد العدالة والقانون وتعصب أعين الحق؛ وتحمي الجُناة من أن تطالهم أحكام القصاص حتى وإن أحرقوا كل المدينة وأزهقوا أرواح مواطنيها عن بكرة أبيهم وأمهم!